ناقدًا للأوضاع والاجتماعات والسياسية، أو عالمًا متضلعًا بمسائل الدين أو اللغة، لكنه في كل الأحوال تقريبًا متسول ماكر مستهتر، ولوع بالملذات، يحتالُ للحصول على مال ممن يخدعهم، فضلًا عن أنه أديب مجيد".
وفي المقامة أيضًا وصف للعادات والتقاليد السائدة حينذاك في الطبقتين الدنيا والوسطى، وقد تأثر الأدب الفارسي بالمقامات متمثلًا في القاضي "حميد الدين البلخي"، وإن لم يحتذ في مقاماته مقامات البديع والحريري احتذاءً امسترة، وبخاصة في اشتمالها على المناظرات، واتسامها بالطابع الصوفي.
كما أثرت المقامات العربية في الآداب الأوربية أيضًا على نحو واسع، إذ غزت قصة "الشطار" الإسبانية سواء من ناحية الفن أو من ناحية الوزن نزعة الواقعية التي تسودها، ثم انتقل تأثيرها إلى سائر الآداب في القارة العجوز، فساعدت الكتاب على هجر قصص الرعاة لتحل محلها القصص التي تتناول العادات والتقاليد، وتنحو نحو الواقعية والقضايا الاجتماعية.
وفي هذا السياق يحسُن أن نورد ما كتبه "صلاح الدين الصفدي" في كتابه (نصرة الثائر على المثل السائر) عن مقامات الحريري إذ قال: "ويحكى أن الفرنج يقرؤونها على ملوكهم بلسانهم، ويصورونها ويتنادمون بحكاياتها". وما ذَاك إِلّا أن هذا الكتاب أحد مظاهر تلك الحكايات المضحكة، والوقائع التي إذا شرع الإنسان في الوقوف عليها تطلعت نفسه إلى ما تنتهي إليه، وتشوقت نفسه إلى الوقوف على آخر تلك القصة، هذا إلى ما فيها من الحكم والأمثال التي تشاكل كتاب (كليلة ودمنة) وإلى ما فيها من أنواع الأدب، وفنونه المختلفة وأساليبه المتنوعة.
وبالنسبة إلى التشابه القوي الحاصل بين "رسالة الغفران" للمعري و"الكوميديا الإلهية" للشاعر الإيطالي " دانتي أليجيري" ذلك العملين الذي يصور كل منهما رحلة إلى العالم الآخر؛ فإن الدكتور "محمد غنيمي هلال" يعزوه إلى تأثر دانتي