...
الأدب الجاهلي والمناهج الحديثة:
عرفنا في الصفحات السابقة منزلة الأدب الجاهلي بعامَّة والشعر بخاصة، وأنه يمثل بؤرة الشعر على مَرِّ العصور، ولقد بدأ الاهتمام به في عصر النهضة العربية في وقت مبكر، ولكن هذا الاهتمام، كما أسلفنا، مَرَّ بمراحل مختلفة, ولكن الاهتمام بتحليل نصوصه ومحاولة الدراسة الرأسية بدلًا من الأفقية بدأ منذ أواخر الستينات، ونزعم أنه اتضح في السبعينات، ومن المتوقع أن يبلغ أشدَّه وينضج في هذا العقد، بل إن بعض الباحثين اصطنع منهجًا أسماه "منجهًا عربيًّا في دراسة القصيدة الجاهلية"1.
ويبدو أن بعض الباحثين قد أحسَّ بقصور المنهج القديم في استيعاب مضامين النصِّ وتحليلها ونقدها، ولذا أطلقوا على مؤلفاتهم أو بحوثهم "قراءة جديدة" أو "قراءة ثانية" أو "قيم جديدة" أو "رؤية عصرية", ونجد هذا الاتفاق عند معظمهم، واعترفوا به في اختيار عناوين مؤلفاتهم في مقدمة بحوثهم، ولكنهم اختلفوا بعد ذلك, وقد عرضنا لذلك الاختلاف أو لجزءٍ منه عند حديثنا عن المآخذ أو ملاحظاتهم على دراسة الشعر الجاهلي، ولم يتوقف الأمر عند حد اختلافهم فحسب، بل راح كل فريق ينعي على الفريق الآخر تقصيره، ويزعم أن منهجه هو المناسب لدراسة ذلك الشعر والكشف عن كنهه ومعدنه الأصيل. ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت أن واحدًا منهم لم يمتدح غير منهجه، ورأى فيه المنهج الوحيد لدراسة ذلك الشعر.
ونستطيع أن نلحظ اتجاهين رئيسين للمتحدثين في الدراسة، ويتفرع منهما