قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا دَعَا أَحَدٌ لِلأَسَدِ بِخَيْرٍ قَطُّ قَبْلَكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَلا يُوهِّنُ قُوَّةَ الصَّارِعِ "
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الأَثْرَمِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: " كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ مُعَنًّى غَرِيضًا، ذَا كِبَرٍ وَنَخْوَةٍ، فَكَتَبَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مِسْكِينِ بْنِ عَامِرِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُدُسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ، يَدْعُوهُ إِلَى الْمُفَاخَرَةِ، وَالتَّهَاجِي فِي كِتَابٍ، وَخَتَمَهُ، وَدَفَعَهُ إِلَى رَاكِبٍ، وَقَالَ لَهُ: ائْتِ الْكُوفَةَ، فَاسْأَلْ عَنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ، فَإِذَا دُلِلْتَ عَلَيْهِمْ، فَادْفَعَ هَذَا الْكِتَابَ إِلَى مِسْكِينِ بْنِ عَامِرٍ.
فَارْتَحَلَ حَتَّى أَتَى الْكُوفَةَ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَدُلَّ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى وَضَعَ الْكِتَابَ فِي يَدِ مِسْكِينٍ، فَلَمَّا قَرَأَهُ دَعَا غُلامَهُ بِشُرْبٍ، ثُمَّ خَلا فَجَعَلَ يَشْرَبُ وَيَقُولُ الشِّعْرَ وَيَكْتُبَهُ حَتَّى فَرَغَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا بِمَا قَالَهُ فَجَعَلَ يُثْبِتُ مَا أَرَادَ وَيُلْقِي مَا لَمْ يُرِدْ، حَتَّى أَحْكَمَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَتَمَهُ، وَدَفَعَهُ إِلَى الرَّسُولِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْكِتَابُ عَلَيْهِ قَرَأَهُ ثُمَّ أَتَاهُ شُيُوخُ قَوْمِهِ، فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُمْ، وَشَاوَرَهُمْ، فَنَهَوْهُ عَنْ جَوَابِهِ، وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لَكَ مِثْلُ هَؤُلاءِ الرِّجَالِ الَّذِينَ فَخَرَ بِهِمْ.
فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ.
وَأَجَابَهُ وَذَكَرَ أَنْ مَآثِرَ الأَنْصَارِ لا تُدْنِيهَا تَمِيمٌ، فَقَالَ مِسْكِينُ بْنُ عَامِرٍ فِي قَصِيدَةٍ:
فَإِنْ يَبْلَ الشَّبَابُ فَكُلُّ شَيْءٍ ... سَمِعْتُ بِهِ سِوَى الرَّحْمَنِ بَالِ
أَلا إِنَّ الشَّبَابَ ثَيَابُ لُبْسٍ ... وَمَا الأَمْوَالُ إِلا كِالطِّلالِ
وَمَا أَدْرِي وَإِنْ جَامَعْتُ قَوْمًا ... أَفْيهِمْ رَغْبَتِي أَمْ فِي الزِّيَالِ
وَحَامِلَةٍ وَمَا تَدِرِي أَفِيهِ ... يَكُونُ نَجَاحُهَا أَمْ فِي الْحِيَالِ
لَعَلَّكَ يَا ابْنَ فَرْخِ اللُّؤْمِ تَنْمِي ... تَرُومُ الرَّاسِيَاتِ مِنَ الْجِبَالِ
فَإِنَّكَ لَنْ تَنَالَ الْمَجْدَ حَتَّى ... تَرُدَّ الْمَاضِيَاتِ مِنَ اللَّيَالِي
أَبِي مُضَرَ الَّذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ ... وَكَانَ رُبَيْعَةُ الأَثَرَيْنِ خَالِي
وَإِنِّي حِينَ أُنْسَبُ مِنْ تَمِيمٍ ... لَفِي الشُّمِّ الشَّمَارِيخِ الطِّوَالِ
وَآبَائِي بَنُو عُدْسِ بْنِ زَيْدٍ ... وَخَالِي الْبِشْرُ، بِشْرُ بَنِي هِلالِ
غُرَّتِي عَمْرُو بْنُ عَمْرٍو ... وَرَدَّانِي زُرَارَةُ بِالْفِعَالِ
كَفَانَا حَاجِبٌ كِسْرَى وَقَوْمًا ... هُمُ الْبِيضُ الْكِرِامُ ذُوُو السِّبَالِ
وَسَارَ عُطَارِدٌ حَتَّى أَتَاهُمْ ... فَأَعْطَوْهُ الْمُنَى غَيْرَ انْتِحَالا
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ: قَوْلُهُ كَفَانَا حَاجِبٌ يَعْنِي كَفَى الْعَرَبَ جَمِيعًا أَمْرُ كِسْرَى حَيْثُ مَنَعَهُمْ أَنْ يَدْعُوا فِي بِلادِ الْعَجَمِ إِلا بِضَمِينٍ، فَرَهَنَهُ قَوْسَهُ فَأَطْلَقَهُ:
وَذُو الْقَرْنَيْنِ آخَاهُ لَقِيطٌ ... وَكَانَ صَفِيَّهُ دُونَ الرِّجَالِ
وَذُو الْقَرْنَيْنِ عُمْرُو بْنُ هِنْدٍ
هُمَا حُبِيَا بِدِيبَاجٍ كَرِيمٍ ... وَيَاقُوتٍ يُفَصَّلُ بِالْمَحَالِ
وَكَانَ الْحَازِمُ الْقَعْقَاعُ مِنَّا ... لِزَازُ الْخَصْمِ وَالأَمْرِ الْعُضَالِ
شُرَيْحٌ فَارِسُ النُّعْمَانِ جَدِّي ... وَنَازِلُهَا إِذَا دُعِيَتْ نَزَالِ
وَقَاتِلُ خَالِهِ بِأَبِيهِ مِنَّا: ... سَمَاعَةُ لَمْ يَبِعْ حَسَبًا بِمَالِ
وَنَدْمَانُ ابْنُ جَفْنَةَ كَانَ خَالِي ... فَفَارَقَهُ وَلَيْسَ لَهُ بِقَالِ