يُقَالُ: رَجُلٌ بَلْتَعَانُ إِذَا كَانَ يُكْثِرُ كَلامَهُ بِالْمُحَالِ لَمَّا وَصَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أُخْتَ النَّجَاشِيِّ، انْكَسَرَ النَّجَاشِيُّ لِصَفَتِهِ، قَالَ: وَبَطَحَ ابْنَ حَسَّانٍ عَنِ الرَّحْلِ فَسَقَطَ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيلٍ إِلَى حَسَّانٍ، فَقَالَ: قَدِمَ مُسَابِقُ الْحُجَّاجِ، قَالَ: فَأُخْبِرُ مَاذَا؟ قَالَ: الْتَقَى ابْنُكَ وَالنَّجَاشِيُّ، قَالَ: فَأَيُّهُمَا غَلَبَ؟ قَالَ: غَلَبَهُ النَّجَاشِيُّ، فَأَهْوَى حَسَّانٌ إِلَى ذَكَرِهِ، فَقَبضَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا خَرَجَ إِذًا مِنْ هَذَا، مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ هُذَيلٍ.
فَقَالَ حَسَّانٌ يَهْجُو الْقَائِلَ الْهُذْلِيَّ:
فَمَنْ يَكْ بَيْنَ هُذَيْلِ الْخَنَا ... وَبَيْنَ ثُمَالَةَ لا يَفْزَعُ
صِغَارُ الْجَمَاجِمِ ثُطُّ اللِّحَى ... كَأَنَّهُمُ الْقَمْلُ بِالْبَلْقَعِ
إِذَا وَرَدَ النَّاسُ حَوْضَ الرَّسُولِ ... ذِيدَتْ هُذَيلٌ عَنِ الْمَشْرَعِ
قَالَ: فَجَاءَتْهُ هُذَيْلٌ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَأْتُونِي مَا زِلْتُ أَرْجُزُ بِهِمْ حَتَّى الْحَوْلِ.
وَلَحَّ الْهِجَاءُ بَيْنَ النَّجَاشِيِّ وَحَسَّانٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْرٍ مِنْهَا:
بَنَى اللُّؤْمُ بَيْتًا فَاسْتَقَرَّ عِمَادُهُ ... عَلَيْكُمْ بَنِي النَّجَّارِ ضَرْبَةَ لازِمٍ
وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِبَيْتٍ آخَرَ:
لَوْ كَانَ عُذْرٌ مُهْلِكًا أَهْلَ قَرْيَةٍ ... مِنَ النَّاسِ أَفْنَى بَاقِيَ الْخَزْرَجِ الْغَدْرُ
فَدَخَلَ بِهَمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ ضِرَارٍ الْجُشَمِيُّ عَلَى حَسَّانٍ، فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَمَا سَمِعْتَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ اللَّذَيْنِ أَهْدَى إِلَيْكُمُ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَ: اعْرِضْهُمَا عَلَيَّ، فَفَعَلَ، فَأَنْشَأَ حَسَّانٌ، يَقُولُ:
يَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... عَبْدَ الْمَدَانِ وَجُلَّ آلِ قَنَانِ
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ أَصْلِيَ أَصْلُكُمْ ... حَتَّى أَمَرْتُمْ عَبْدَكُمْ فَهَجَانِي
وَقَالَ أَيْضًا:
أَبَنِي الْحِمَاسِ أَلا مُرُوَّةُ فِيكُمُ ... إِنَّ الْمُرُوءَةَ فِي الْحِمَاسِ قَلِيلُ
هَيَّجْتُمُ حَسَّانَ عِنْدَ ذَكَائِهِ ... غَيٌّ لِمَا وَلَدَ الْحِمَاسُ طَوُيلُ
وَقَالَ أَيْضًا:
حَارَبْنَ كَعْبٍ أَلا الأَحْلامُ تَزْجُرُكُمْ ... عَنِّي وَأَنْتُمُ مِنَ الْجُوفِ الْجَمَاخِيرِ
لا عَيْبَ بِالْقَوْمِ مِنْ طُولٍ وَمِنْ عِظَمٍ ... جِسْمُ الْبِغَالِ وَأَحْلامُ الْعَصَافِيرِ
دَعُوا التَّخَاجِيَ وَامْشُوا مِشْيَةً سُجُحًا ... إِنَّ الرِّجَالَ أُولُو عَصَبٍ وَتَذْكِيرِ
كَأَنَّهُمْ قَصَبٌ جَوفٌ أَسَافِلُهُ ... مُثَقَّبٌ فِيهِ أَرْوَاحُ الأَعَاصِيرِ
وَقَالَ النَّجَاشِيُّ:
فَلَمْ أَهْجُكُمْ إِلا لأَنِّي حَسِبْتُكُمْ ... كَرَهْطِ ابْنِ بَدْرٍ أَوْ كَرَهْطِ ابْنِ مَعْبَدِ
فَلَمَّا سَأَلْتُ النَّاسَ عَنْكُمْ وَجَدْتُكُمْ ... بِرَاذِينَ شُقْرًا أُرْبِطَتْ حَوْلَ مِذْوَدِ
فَأَنْتُمْ بَنِي النَّجَّارِ أَكْفَاءُ مِثْلُنَا ... فَأَبْعِدْ بِكُمْ عَمَّا هُنَالِكَ أَبْعَدُ
فَإِنْ شِئْتُمُ نَافَرْتُمُ عَنْ أَبِيكُمُ ... إِلَى مَنْ أَرَدْتُمْ مِنْ تِهَامٍ وَمُنْجَدِ
وَمَا كُنْتُ أَدْرِي مَا حُسَامٌ وَمَا ابْنُهُ ... وَلا أُمُّ ذَلِكَ الْيَثْرِبِيِّ الْمُوَلَّدِ
فَلَمَّا أَتَانِي مَا يَقُولُ وَدُونَهُ ... مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْبَرِيدِ الْمُبَرَّدِ
سَمَوْتُ لَهُ بِالْمَجْدِ حَتَّى رَدَدْتُهُ ... إِلَى نَسَبٍ نَاءٍ عَنِ الْمَجْدِ مُقْعَدِ