فَلَمَّا سَمِعَهَا كَلَّحَ، فَقَالَ: يَا آلَ هَوَازِنَ، فَلَمْ يَبْقَ بَيْتٌ وَلا خَيْمَةٌ إِلا قُوِّضَتْ، وَلَمْ أَرَ إِلا قَوَائِمَ جَمَلِ النَّجَاشِيِّ، وَأَفْلَتَ فَوَلِجَ فُسْطَاطًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، وَاتَّبَعُوهُ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَارِبِ بْنِ الأَسْوَدِ الثَّقَفِيِّ، عَلَى فرَسٍ فَأَرْدَفَهُ.

قَالَ: فَسَبَقَ بِهِ حَتَّى فَاتَ الْقَوْمَ.

فَقَالَ النَّجَاشِيُّ يَعُمَّ الأَنْصَارَ:

وَهَلْ أَنْتُمُ إِلا كَأَبْنَاءِ نَهْشَلٍ ... وَآلِ فُقَيْمٍ قُتِّلُوا وَمُجَاشِعُ

بِذَنْبِ سُوَيْدٍ وَهْوَ مِنْ آلِ دَارِمٍ ... لِزَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالأَمْرُ جَامِعُ

قَالَ: وَرَجِزَ بِهِ، فَقَالَ:

إِذَا دَعَوْتَ مَذْحِجًا وَحِمْيَرًا ... وَالْعُصَبَ الْيَمَانِيَّاتِ الأُخَرَا

فَمَا أَعَزَّ نَاصِرِي وَأَكْثَرَا قَالَ: وَاخْتَرَطَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرٍ سَيْفَهُ، فَضَرَبَ بِهِ عُرْقُوبَ بَعِيرِ ابْنِ حَسَّانٍ، فَقَالَ حِينَ كُسِرَ:

لَقَدْ شَمِتُوا حِينَ اسْتَخَفَّ حُلُومُهُمْ ... كَأنَ فَتًى لَمْ يَنْكَسِرْ سَاقُهُ قَبْلِي

وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَرَوْنِي وَأنْ أَرَى ... سَويًّا كَأَنِّي غُصْنُ بَانٍ عَلَى نَجْلِ

وَأُمْسِي تَحِلاتُ النَّجَاحِ مُجَازِيًا ... يُؤَدِّي أَهْلُ الْوُدِّ وَالتَّبْلُ بِالتَّبْلِ

كَأَنِّي أَخُو الْحَلْفَاءِ أُصْبِحُ غَازِيًا ... شَدِيدُ مَشَكِّ الرَّأْسِ جَهْمٌ أَبُو شِبْلِ

تَبِيتُ بَعُوضُ الْجِدِّ يَعْزِفْنَ حَوْلَهُ ... كَعَزْفِ الْقِيَانِ الضَّارِبَاتِ عَلَى الطَّبْلِ

إِذَا أَنَا قَضَّيْتُ الأَمَانِيَّ خَالِيًّا ... فَأَوَّلُهَا التَّقْوَى وَمَشْيٌ عَلَى رِجْلِ

كَسِيرَتِهَا الأُولَى وَذَلِكَ نَالَهَا ... إِذَا عُدَّتِ الأَشْيَاءُ عِنْدِي فَمَنْ مِثْلِي

وَمَا أَنْسَ مِلَ الأَشْياءِ لا أَنْسَ مَصْرَعِي عَشِيَّةَ جَمْعٍ وْالْمُغِيرُونَ فِي شُغْلِ

صَرِيعًا وَأَيْدِي السَّانِحَاتِ يُرِدْنَنِي ... كَمَا وَرَدَ الْيَعْسُوبَ رِجْلٌ مِنَ النَّحْلِ

فَأَدْرَكَنِي رَبِّي بِفَضْلٍ وَنِعْمَةٍ ... وَمَا زَالَ عِنْدِي ذَا بَلاءٍ وَذَا فَضْلِ

تُوَحَّدُ بِالنُّعْمَى عَلَيَّ فَأَصْبَحَتْ ... مَصَائِبُهَا كَالثَّوْبِ أُنْقِيَ بِالْغُسْلِ

حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ عِيسَى الْعُذْرِيُّ، عَنْ أَشْيَاخِ قَوْمِهِ، قَالُوا: " لَمَّا أُخْرِجَ بِهُدْبَةَ بْنِ الْخَشْرَمِ، لِيُقْتَلَ، لَقِيَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ، فَقَالَ لَهُ مُتَعَنِّتًا لَهُ: يَا هُدْبَةُ أَنْشِدْنِي.

قَالَ: عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ هُدْبَةُ:

وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إِذَا الأَمْرُ سَرَّنِي ... وَلا جَازِعٍ مِنْ صَرْفِهِ الْمُتَقَلِّبِ

وَلَسْتُ بِبَاغِي الشَّرِّ وَالشَّرُّ تَارِكِي ... وَلَكِنْ مَتَى أُحْمَلْ عَلَى الشَّرِّ أَرْكَبِ

وَحَرَّبَنِي مَوْلايَ حَتَّى غَشِيتُهُ ... مَتَى مَا يُحرِّبْكَ ابْنُ عَمِّكِ تَحْرَبِ

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَلِمْتَ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَتَكَ بَعْدَكَ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ نَهَيْتُهَا عَنْكَ، حَيْثُ أَقُولُ:

لا تَنْكِحِي إِنْ فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَنَا ... أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهِ لَيْسَ بِأَنْزَعَا

ضَرُوبًا بِلَحْيَيْهِ عَلَى عِظْمِ زُورِهِ ... إِذَا الْقَوْمُ هَشُّوا لِلْفِعَالِ تَقَنَّعَا

أُصَيْهِبَ لا يُرْضِيكِ فِي الْحَيِّ جَالِسًا ... إِذَا مَا مَشَى أَوْ قَالَ قَوْلا بَلَتَّعَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015