البَرَمُ: الَّذِي لا يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمُ فِي أَيْسَارِ جَزُورِهِمْ، وَجَمْعُهُ أَبْرَامٌ

وَهَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ ذِي أَرَلٍ ... تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ مِنْ صُرَّادِهَا صِرَمَا

إِنِّي أُسَامِحُ أَيْسَارِي وَأَمْنَحُهُمْ ... مَثْنَى الأَيَادِي وَأَكْسُو الْجَفْنَةَ الأَدَمَا

فَلَمَّا أَنْشَدَهَا، قَالَتْ: مَا يَنْفَكُّ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا حَيِيتَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَتْ لِحَاتِمٍ: يَا أَخَا طَيِّئٍ أَنْشَدَنِي، فَأَنْشَدَهَا:

أَمَاوِيَّ قَدْ طَالَ التَّجَنُّبُ وْالْهَجْرُ ... وَقَدْ عَذَّرْتِنِي فِي طِلابِكُمُ الْعُذْرُ

أَمَاوِيَّ إِمَّا مَانَعٌ فَمُبَيَّنٌ ... وَإِمَّا عَطَاءٌ لا يُنَهْنِهُهُ الزَّجْرُ

أَمَاوِيَّ إِنِّي لا أَقُولُ لِسَائِلٍ ... إِذَا جَاءَ يَوْمًا: حَلَّ فِي مَالِنَا نَذْرُ

أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهِ الصَّدْرُ

أَمَاوِيَّ إِنْ يُصْبِحْ صَدَايَ بِقَفْرَةٍ ... مِنَ الأَرْضِ لا مَاءٌ لَدَيَّ وَلا خَمْرُ

تَرَيْ أَنَّ مَا أَنْفَقْتُ لَمْ يَكُ ضَرَّنِي ... وَأَنَّ يَدِي مِمَّا بَخِلْتُ بِهِ صِفْرُ

أَمَاوِيَّ إِنِّي رُبَّ وَاحِدِ أُمِّهِ ... أَجَرْتُ فَلا قَتْلٌ عَلَيْهِ وَلا أَسْرُ

وَقَدْ عَلِمَ الأَقْوَامُ لَوْ أَنَّ حَاتِمًا ... أَرَادَ ثَرَاءَ الْمَالِ كَانَ لَهُ وَفْرُ

وَإِنِّيَ لا آلُو بِمَالِي صَنِيعَةً ... فَأَوَّلُهُ زَادٌ وَآخِرُهُ ذُخْرُ

يُفَكُّ بِهِ الْعَانِي وَيُؤْكَلُ طَيِّبَا ... وَمَا إِنْ تَعَرَّتْهُ الْقِدَاحُ وَلا الْخَمْرُ

وَلا أَلْطِمُ ابْنَ الْعَمِّ إِنْ كَانَ إِخْوَتِي ... شُهُودًا وَقَدْ أَوْدَى بِإِخْوَتِهِ الدَّهْرُ

وَلا آخُذُ الْمَوْلَى لِسُوءِ بَلائِهِ ... وَإِنْ كَانَ مَحْنُوَّ الضُّلُوعِ عَلَى عُمْرُ

غَنِينَا زَمَانًا بِالتَّصَعْلُكِ وَالْغِنَى ... وَكُلًّا سَقَانَاهُ بِكَأْسَيْهِمَا الدَّهْرُ

فَمَا زَادَنَا بَغْيًا عَلَى ذِي قَرَابَةٍ ... غِنَانَا وَلا أَزْرَى بِأَحْسَابِنَا الْفَقْرُ

إِذَا أَنَا دَلانِي الَّذِينَ أُحِبُّهُمُ ... لَمْلَحُودَةٍ زُلْجٍ جَوَانِبُهَا غُبْرُ

وَأَثْنَوْا بِمَا قَدْ يَعْلَمُونَ وَغَيْرَهُ ... وَمَا إِنْ نَدَى مَا تَرَيْنَ وَلا سُخْرُ

وَقَامُوا عَلَى أَرْجَائِهِ يَدْفِنُونِي ... يَقُولُونَ: قَدْ أَوْدَى السَّمَاحَةُ وَالذِّكْرُ

وَرَاحُوا سِرَاعًا يَنْفُضُونَ أَكُفَّهُمْ ... يَقُولُونَ: قَدْ أَدْمَى أَظْافِرَنَا الْحَفْرُ

إِذَا الْمَرْءُ أَثْرَى ثُمَّ لَمْ يَكُ مَالُهُ ... غِنًى لأَدَانِيهِ فَحَالَفَهُ الْعُسْرُ

فَلَمَّا فَرَغَ حَاتِمٌ مِنْ إِنْشَادِهِ الشِّعْرَ، دَعَتْ لَهُمْ بِالْغَدَاءِ، وَقَدْ كَانَتْ أَمَرَتْ إِمَاءَهَا أَنْ يُقَدِّمْنَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا كَانَ أَطْعَمَهَا حَيْثُ اسْتَطْعَمَتْهُمْ، فَقَدَّمَ الْإِمَاءُ إِلَيْهِمِ مَا أَمَرَتْهُنَّ، فَلَمَّا وَضَعْنَ الْإِمَاءُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذَلِكَ عَرَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا كَانَ أَطْعَمَهَا، فَنَكَّسَ النَّبِيتِيُّ وَالنَّابِغَةُ رَأَسَيْهُمَا، فَلَمَّا رَأَى حَاتِمٌ ذَلِكَ رَمَى بِالَّذِي قَدَّمْنَ الْإِمَاءُ إِلَيْهِمَا، وَقَدَّمَ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ.

فَقَالَتْ: إِنَّ حَاتِمًا لَأَكْرَمُكُمْ وَأَشْعَرُكُمْ وَأَجْوَدُكُمْ، رَجُلٌ كَرِيمُ النِّسْبَةِ، تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ كَمَعْرِفَةِ الْخَاصَّةِ، لَهُ جُودٌ وَمَعْرُوفٌ وَبَذْلٌ، قَدْ قَبِلْتُ حَاتِمًا، وَرَضِيتُ بِهِ، فَقَامَا مُنْصَرِفَيْنَ مُسْتَحِيَيْنَ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى حَاتِمٍ، فَقَالَتْ: خَلِّ سَبِيلَ امْرَأَتِكَ، فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ، وَأَبْتَ أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، فَانْصَرَفَ عَنْهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015