ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى زَيْدِ الْخَيْلِ، فَقَالَتْ: مَا الَّذِي جَرَّأَكَ عَلَى خِطْبَتِي؟ قَالَ: أَنَا زَيْدُ الْخَيْلِ، وَبِاسْمِي تُغِيرُ طَيِّئٌ عَلَى الْعَرَبِ، وَلِي مِرْبَاعُ كُلِّ غَارَةٍ، أَخَذْتُ طَرِيقِي، وَلَمْ أُلاحِ جَاهِلا، وَلَمْ أَمْنَعْ سَائِلا.

قَالَتْ: أَمْسِكْ.

ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى حَاتِمٍ فَقَالَتْ: مَا الَّذِي جَرَّأَكَ عَلَى خِطْبَتِي؟ قَالَ: أَنَا حَاتِمُ طَيِّئٍ الثَّعْلَبِيُّ، وَفَدْتُ عَلَى الْحَيَّيْنِ: الْغَوْثِ وَجَدِيلَةَ، وَأَنْهَبْتُ مَالِي ثَلاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وحَكَّمَتْنِي طَيِّئٌ فِي أَمْوَالِهَا.

فَقَالَتْ: قُوُلُوا شِعْرًا، وَاذْكُرُوا فِيهِ كَرِيمَ فِعَالِكُمْ مَا يُصَدِّقُ فِيهِ قَوْلَكُمْ، وَائْتُونِي بِهِ.

فَقَالَ: زَيْدُ الْخَيْلِ:

هَلا سَأَلْتِ بَنِي نَبْهَانَ مَا حَسَبِي ... عِنْدَ الطِّعَانِ إِذَا مَا احْمَرَّتِ الْحَدَقُ

وَآبَتِ الْخَيْلُ مُبْتَلا سَوَالِفُهَا ... بِالْمَاءِ يَسْفَحُ مِنْ لَبَّاتِهَا الْعَرَقُ

قَدْ أَطْعَنُ الْفَارِسَ الْحَامِي حَقِيقَتَهُ ... نَجْلاءَ يَذْهَبُ فِيهَا الزَّيْتُ وَالْخَرَقُ

وَأَطْعَنُ الْكَبْشَ والْخَيْلانُ وَاقِفَةٌ ... يَوْمَ الأَكُسِّ بِهِ مِنْ نَجْدَةٍ رَوَقُ

الْكُسُّ: الْقَصِيرُ الأَسْنَانِ، وَالرَّوَقُ: الطُّولُ فِي الأَسْنَانِ.

وَالْخَيْلُ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ فَارِسَهَا ... وَالْهَامُ مِنَّا وَمِنْ أَعْدَائِنَا فَلَقُ

إِذْ قَالَ أَوْسٌ أَمَا مِنْ طَيِّئٍ رَجُلٌ ... يَحْمِي الذِّمَارَ وَبِيضُ الْقَوْمِ تَأْتَلِقُ

وَالْجَارُ يَعْلَمُ أَنِّي غَيْرُ خَاذِلِهِ ... إِنْ نَابِ دَهْرٌ لِعَظْمِ الْجَارِ مُعْتَرَقُ

إِذْ لا أَرَى الْمَالُ رَبًّا بَلْ أَرَى غَبْنًا ... بُخْلا بِهِ وَمَنَايَا الْقَوْمِ تُعْتَلَقُ

هَذَا رِضَائِي فَإِنْ تَرْضَيْ فَرَاضِيَةٌ ... أَوْ تَسْخَطِي فَإِلَى مَنْ تُعْطَفُ الْعَنَقُ

فَقَالَ أَوْسُ: وَاللَّهِ يَا زَيْدُ لَقَدْ أَطْرَيْتَ نَفْسَكَ بِالثَّنَاءِ، وَخَصَّصْتَهَا بِالْكَرَمِ، وَلَسْتُ أَقُولُ مِثْلَ مَقَالَتِكَ، وَلَكِنِّي أَقُولُ:

أَمَاوِيَّ لَمْ يَخْطِبْكِ مِنْ حَيِّ مَذْحِجٍ ... كَأَوْسِ بْنِ لأْمٍ أَوْ كَزَيْدٍ وَحَاتِمِ

فَإِنْ تَنْكِحِي زَيْدًا فَفَارِسُ طَيِّئٍ ... إِذِا الْحَرْبُ يَوْمًا أَقْعَدَتْ كُلَّ قَائِمِ

وَمَعْقَلَ نَبْهَانَ الَّذِي يُتَّقَى بِهِ ... رَدَى الدَّهْرِ عِنْدَ الْحَادِثِ الْمُتَفَاهِمِ

وَإِنْ تَنْكِحِي مَاوِيَّةَ الْخَيْرِ حَاتِمًا ... فَمَا مِثْلُهُ فِينَا وَلا فِي الأَعَاجِمِ

فَتًى لا يَزَالُ الدَّهْرَ أَعْظَمُ هَمِّهِ ... فِكَاكُ أَسْيرٍ أَوْ مَعُونَةُ غَارِمِ

رَأَى أَنَّ مَا يَبْقَى مِنَ الْمَالِ هَالِكٌ ... فَأَعْطَى وَلَمْ يَحْفَلْ مَلامَةَ لائِمِ

وَإِنْ تَنْكِحِينِي تَنْكِحِي غَيْرَ فَاحِشٍ ... وَلا حَافِرٍ جَرْفِ الْعَشِيرَةِ هَادِمِ

وَلا مُتَّقٍ يَوْمًا إِذَا الْحَرْبُ شَمَّرَتْ ... بَأَنْفَسِهَا نَفْسِي فِعَالَ الأَشَائِمِ

وَإِنْ طَرَقَ الأَضْيَافُ لَيْلا وَعَرَّسُوا ... وَجَدْتِ ابْنَ سُعْدَى بِالْقِرَى غَيْرَ عَاتِمِ

فَأَيَّ امْرِئٍ أَهْدَى لَكِ اللَّهُ فَاقْبَلِي ... فَإِنِّي كَرِيمٌ مِنْ عُرُوقِ الأَكَارِمِ

وَقَالَ حَاتِمُ طَيِّئٍ فِي ذَلِكَ:

سَلِي الأَقْوَامَ يَا مَاوِيَّ عَنِّي ... وَإِنْ تَسْأَلِيهِمْ فَاسْأَلِينِي

تُخَبِّرْكِ الْمَعَاشِرُ وَالْمَصَافِي ... وَذُو الرَّحِمِ الَّذِي قَدْ يَجْتَدِينِي

بِأَنِّي لا يَهِرُّ الْكَلْبُ ضَيْفِي ... وَلا تُقْضَى نَجِيُّ الْقَوْمِ دُونِي

أَيْ لا يَتَنَاجُونَ فِي الأَمْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَشْهَدَهُمْ.

وَلا أَعْتَلُّ مِنْ قَنَعٍ بَمَنْعٍ ... إِذَا نَابَتْ نَوَائِبُ تَعْتَرِينِي

الْقَنْعُ: الطَّعَامُ الْكثِيرُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015