وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ حَنْظَلَةِ الْخَيْرِ: قَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ عَلَيَّ كَلا كَثِيرًا، وَلَكَنْ عَلَيَّ كُلُّ خَمْرٍ وَطَعَامٍ وَلَحْمٍ يُبَاعُ فِي سُوقِ الْحِيرَةِ.
ثُمَّ قَالَ إِيَاسٌ: عَلَيَّ مِثْلُ جَمِيعِ مَا أَعْطَيْتُمْ، وَمَا فِي سُوقِ الْحِيرَةِ.
قَالَ: وَلا يَعْلَمْ حَاتِمٌ بِشَيْءٍ مِمَّا صَنَعُوا، وَذَهَبَ حَاتِمُ إِلَى مَالِكِ بْنِ جَبَّارٍ، ابْنِ عَمٍّ لَهُ بِالْحِيرَةِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَقَالَ: أَعِنِّي فِي مُخَايَلَتِي وَأَنْشَدَهُ:
يَا مَالِ! إِحْدَى خُطُوبِ الدَّهْرِ قَدْ طَرَقَتْ ... يَا مَالِ! مَا أَنْتُمُ عِنَهَا بِزْحَزَاحِ
يَا مَالِ! جَاءَتْ حِيَاضُ الْمَوْتِ وَارِدَةً ... مِنْ بَيْنِ غَمْرٍ فَخُضْنَاهُ وَضَحْضَاحِ
فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا كُنْتُ لِأَحْرِمَ نَفْسِي وَلا عِيَالِي، وَأُعْطِيكَ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ، وَأَتَى حَاتِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَ عَمٍّ لَهُ يقالُ لَهُ: وَهْمُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ مُصَارِمًا لَهُ يَوْمَئِذٍ، لا يُكَلِّمُهُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: أَيْ وَهْمُ، وَاللَّهِ أَبُو سَفَّانَةَ، حَاتِمٌ قَدْ طَلَعَ.
فَقَالَ: مَا لَنَا وَلِحَاتِمٍ، أَثْبِتِي النَّظَرَ.
فَقَالَتْ: هُوَ وَاللَّهِ هُوَ، لا شَكَّ فِيهِ.
فَقَالَ: وَيْحَكِ هُوَ لا يُكَلَّمُنِي، فَمَا جَاءَ بِهِ إِلَيَّ؟ فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا حَاتِمُ؟ فَقَالَ: أَخْطَرْتُ عَنْ حَسَبِي وَحَسَبِكَ.
فَقَالَ: الرَّحْبُ وَالسَّعَةُ.
هَذَا مَالِي وَعِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعُ مِائَةِ بَعِيرٍ، فَخُذْهَا مِائَةً مِائَةً حَتَّى تَذْهَبَ الإِبِلُ، أَوْ تُصِيبَ الَّذِي تُرِيدُ.
فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: إِي وَهْمُ، أَتُخْرِجْنَا مِنْ مَالِنَا فَنَبْقَى عَالَةً؟ فَقَالَ: إِلَيْكِ عَنِّي، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ مَا عِنْدَكِ لِيَرُدَّنِي عَمَّا قِبَلِي، فَقَالَ حَاتِمٌ:
أَلا أَبْلِغَا وَهْمَ بْنَ عَمْرٍو رِسَالَةً ... فَإِنَّكَ أَنْتَ الْمَرْءُ بِالْخَيْرِ أَجْدَرُ
رَأَيْتُكَ أَدْنَى مِنْ أُنَاسٍ قَرَابَةً ... وَغَيْرُكَ مِنْهُمْ كُنْتُ أَحْبُو وَأَنْصُرُ
إِذَا مَا أَتَى يَوْمٌ يُفَرِّقُ بَيْنَنَا ... بِمَوْتٍ فَكُنْ يَا وَهْمُ ذُو تَتَأَخَّرُ
ثُمَّ قَالَ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ: احْمِلُونِي إِلَى الْمَلِكِ، وَكَانَ بِهِ نَقْرَسٌ، فَحُمِلَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْعِمْ صَبَاحًا أَبَيْتَ اللَّعنَ.
فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: حَيَّاكَ إِلَهَكَ.
فَقَالَ لَهُ إِيَاسٌ: أَتُمِدُّ أَخْتَانَكَ بِالْمَالِ، وَالْخَيْلِ، وَجَعَلْتَ بَنِي ثُعَلٍ فِي قَعْرِ الْكِنَانَةِ؟ أَظَنَّ أَخْتَانُكَ أَنْ يَصْنَعُوا بِحَاتِمٍ مَا صَنَعُوا بِعَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ، وَلَمْ يَشْعُرُوا أَنَّ بَنِي حَيَّةَ بِالْبَلَدِ.
فَإِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ نَاجَزْنَاكَ حَتَّى تَسْفَحَ الأَوْدِيَةُ دَمًا فَلْيَحْضِرُوا مِجَادَهُمْ عِنْدَ مَجْمَعِ الْعَرَبِ، فَعَرَفَ النُّعْمَانُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَكَلامِهِ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: يَا حَلِيمَنَا لا تَغْضَبْ.
فَأَرْسَلَ النُّعْمَانُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأَصْحَابِهِ: انْظُرُوا ابْنَ عَمِّكُمْ حَاتِمًا فَأَرْضُوهُ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بِالَّذِي أُعْطِيكُمْ مَالِي تُبَدِّدُونَهُ، وَمَا أُطِيقُ بَنِي حَيَّةَ.
فَخَرَجَ بَنُو لأْمٍ إِلَى حَاتِمٍ، فَقَالُوا: أَعْرِضْ عَنْ هَذَا الْمِجَادِ وَنَدَعُ لَكَ أَرْشَ أَنْفِ ابْنِ عَمِّكَ.