حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: " خَرَجَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَمَعَهُ سَيِّدُ الْحِيرَةِ فِي عِيرٍ لَهُ، يُرِيدُ الْعِرَاقَ فِي تِجَارَةٍ لَهُ، وَكَانَ سُوقُ الْحِيرَةِ سُوقًا تَجْتَمِعُ إِلَيْهَا الْعَرَبُ كُلَّ سَنَةٍ، وَكَانَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَدْ جَعَلَ لِبَنِي لأْمٍ مِنْ طَيِّئٍ رُبْعَ الطَّرِيقِ طُعْمَةً لَهُمْ، وَذَلِكَ لأَنَّ ابْنَةَ سَعْدِ بْنِ حَارِثٍ مِنْ لأْمٍ كَانَتْ عِنْدَ النُّعْمَانِ، فَكَانُوا أَصْهَارَهُ فَمَرَّ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بَحَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَأَلَهُ الْجِوَارَ فِي أَرْضِ طَيِّئٍ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْحِيرَةِ، فَأَجَارَهُ، وَأَمَرَ حَاتِمٌ بَجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، ثُمَّ طُبْخَتْ أَعَضَاءً فَأَكَلُوا، وَمَعَ حَاتِمٍ مِلْحَانُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْحَشْرَجِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، فَلَمَّا فَرَغُوَا مِنَ الطَّعَامِ طَيَّبَهُمُ الْحَكَمُ مِنْ طِيبِهِ ذَلِكَ، فَمَرَّ حَاتِمٌ بِسَعْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لأْمٍ، وَلَيْسَ مَعْ حَاتِمٍ مِنْ بَنِي أَبِيهِ غَيْرُ مَلْحَانَ، وَحَاتِمٌ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، وَمَعهُ فَرَسُهُ يُقَادُ، فَأَتَاهُ بَنُو لَأْمٍ، فَوَضَعَ حَاتِمٌ سُفْرَتَهُ، فَقَالَ: أَطْعِمُوا حَيَّاكُمُ اللَّهُ.
فَقَالُوا: مَنْ هَؤُلاءِ مَعَكَ يَا حَاتِمُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ جِيرَانِي، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: فَأَنْتَ تُجِيرُ عَلَيْنَا فِي بِلادِنَا؟ ! فَقَالَ: أَنَا ابْنُ عَمِّكُمْ، وَأَحَقُّ مَنْ لَمْ تَخْفِرُوا ذِمَّتَهُ.
فَقَالُوا: لَسْتَ هُنَاكَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَفْضَحُوهُ كَمَا فُضِحَ عَامِرُ بْنُ جُوَيْنٍ، فَوَثَبُوا عَلَيْهِ، فَتَنَاوَلَ كِنْدِيُّ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمِ حَاتِمًا، فَأَهْوَى إِلَيْهِ حَاتِمٌ بِالسَّيْفِ.
فَأَطَارَ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ، فَوَقَعَ الشَّرُ حَتَّى تَحَاجَزُوا، فَقَالَ حَاتِمٌ:
وَدِدْتُ وَبَيْتِ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَنْفَهُ ... هَوَاءٌ فَمَا مَتَّ الْمُخَاطِ مِنَ الْعَظْمِ
وَلَكِنَّمَا لاقَاهُ سَيْفُ ابْنِ عَمِّهِ ... فَأَبْقَى وَمَرَّ السَّيْفُ مِنْهُ عَلَى الْخَطْمِ
فَقَالُوا لِحَاتِمٍ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ سُوقُ الْحِيرَةِ، فَنُمَاجِدُكَ بِهَا، وَنَضَعُ الرَّهْنَ، فَفَعَلُوا، وَوَضَعُوا تِسْعَةَ أَفْرَاسٍ رَهْنًا، عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهُ: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ أَوْسِ بْنِ جَابِرِ بْنِ كَعْبَشِ بْنِ عَلِيمٍ مِنْ جَنَابٍ، وَوَضَعَ حَاتِمٌ فَرَسَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْحِيرَةِ، وَسَمِعَ بِذَلِكَ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ الطَّائِيُّ، فَخَافَ أنْ يُعَيِّنَهُمُ النُّعْمَانُ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَيُقَوِّيهِمْ بِمَالِهِ وَسُلْطَانِهِ، لِلصِّهْرِ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَجَمَعَ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ رَهْطَهُ مِنْ بَنِي حَيَّةَ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي حَيَّةَ، إِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ قَدْ أَرَادُوا أَنْ يَفْضَحُوَا ابْنَ عَمِّكُمْ حَاتِمًا، وَيَصْنَعُوا بِهِ كَمَا صَنَعُوا بِعَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ، وَحَاتِمٌ وَحْدَهُ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَعِينُوا ابْنَ عَمِّكُمْ فِي مِجَادِهِ.
فَقَامَ رَجُلٌ مِنِ بَنِي حَيَّةَ فَقَالَ: عِنِّدي مِائَةُ نَاقَةٍ سَوْدَاءَ، وَمِائَةُ نَاقَةٍ حَمْرَاءَ، وَمِائَةُ نَاقَةٍ أَدْمَاءَ.
وَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: عِنْدِي عَشَرَةُ حُصُنٍ عَلَى كُلِّ حِصَانٍ مِنْهَا فَارِسٌ مُدَجَّجٌ، لا يُرَى مِنْهُ إِلا عَيْنَاهُ.