بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل ويزخرفون له العبارات، حتى يجعلوه في أحسن صورة ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلاً، والباطل حقاً 1.
وجاء الإسلام بالمنهج التربوي القويم الذي يحمل الإنسان مسؤولية العبارة التي يتلفظ بها، ليجعل منه شخصية مهذبة الفعال واللسان. قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} 2.
وهذه المسؤولية غرست في اتباع المنهج الإسلامي استشعار تبعية الكلمة ومسؤوليتها وأهميتها وأثرها البالغ، وتبعاتها على مستمعها وقائلها، فهجر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتادوه وألفوه من ألفاظ الجاهلية السيئة كوصف الخمر، وذكر العورات والتباهي بالمناصرة الظالمة، وسار على نهجهم من اقتفى أثرهم من الخلق إلى يومنا هذا، فأخذت الكلمة أهميتها ومسؤوليتها في البيئة المسلمة.
فقد قيل لعبد الله بن رؤبة بن لبيد التميمي: "إنك لا تحسن الهجاء، فقال: إن لنا أحلاماً تمنعنا من أن نظلم وأحساباً تمنعنا أن نظلم، وهل رأيت بانياً إلا وهو على الهدم أقدر منه على البناء؟ وله رواية حديث عن أبي هريرة3
بل تحولت الكلمة الأدبية إلى سيف بتار يحارب به الرذيلة، مما جعل الأدب يسهم إسهاماً طيباً في التصدي للرذائل السلوكية، ومن ذلك قول الزبير بن العوام في خطبة خطبها بالبصرة: "أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يوماً بعمامتي من ورائي فقال: يا زبير إن الله يقول أَنفق أُنفق عليك، ولا توكئ فيوكأ عليك،