المقدم: اسمح لي أن أرجع خطوات قليلة إلى الوراء قبل أن ننتقل إلى النقطة التي تليها في الدعاوى، فإنه يسمع كثيراً عبارة (السلف)، فما المقصود بالسلف؟ الشيخ: ينبغي أن نؤصل هذه الكلمة من النصوص.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الافتراق، وذكر الأهواء، وذكر الاختلاف؛ أوصى بوصايا، فهو أخبر أن الافتراق سيقع حتماً، وأن هناك طوائف من الأمة هم من المسلمين، لكنهم ارتكبوا البدع وركبوا الأهواء؛ فخرجوا عن السنة، فأوصى بوصية القرآن، وهي اتباع سبيل المؤمنين، فالله عز وجل قال: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115].
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الاختلاف، فذكر المشاقة التي ستكون من بعض الطوائف، فقال في الحديث الصحيح: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وفي بعض ألفاظ حديث الافتراق قال: (عليكم بالجماعة)، وقال: (إياكم والفرقة)، وقال: (إن يد الله مع الجماعة).
فهنا أوصى وصايا قطعية بالسنة وأوصى بالجماعة، إذاً: عندنا توجيه ووصية من النبي صلى الله عليه وسلم ثمينة، هي أنه إذا وقع الاختلاف والافتراق فلنسلك سبيل السنة والجماعة، فمن هم أهل السنة والجماعة؟ لقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي)، فتحددت الخطوة الثالثة؛ لئلا يدعي أي مبتدع بأنه على السنة، فنقول: السنة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هؤلاء الذين هم أهل السنة والجماعة هم أئمة الهدى الذين شقوا الطريق من قبلنا، بمعنى أنهم سلفوا، فتسمية (السلف) تسمية تاريخية واصطلاحية، وإلا فهم أهل السنة والجماعة.
فالسلف وصف وليس اسماً؛ لأنهم سبقوا على طريق الهدى، وسبقونا على منهاج النبوة؛ ولأنهم -أيضاً- رسموا لنا طريق الاتباع والاهتداء والاقتداء، فهم المرجعية لنا، ونظراً لأنهم سلفونا وسبقوا في الزمن وصفوا بالسلف، لكن اسمهم: أهل السنة والجماعة.
المقدم: هل يقيد بالقرون الثلاثة الأولى المفضلة، أم أنه مطلق لكل من سبقنا؟ الشيخ: لا يقيد إلا من حيث الأفضلية، فإذا قيل: من هم أول قدوة في السلف؟ نقول: الصحابة ثم القرون الفاضلة، ثم كل من سلك هذا السبيل فهو سلفي.
إذاً: المسألة مسألة أولويات وأخرويات تاريخية فقط.