المقدم: من الدعاوى الأخيرة التي يدعونها أنهم يقولون: إن عقيدة السلف تأثرت ببعض السلاطين وآرائهم واجتهاداتهم؛ لتسلطهم وقوتهم، فهل هذا صحيح؟ الشيخ: نعم يقولون هذا، ويبدو لي أن الذين اطلعت على كتاباتهم وأقوالهم من هذا الصنف في هذا الزمن خاصة أنهم أصحاب خلفيات فرقية، معروفون بالانتماءات الفرقية سابقاً، فلما رأوا أن منهج السلف منهج متكامل يسد عليهم جميع أبواب الشبهات وجميع أبواب الاعتراضات؛ ذهبوا يلصقون بمنهج السلف كل تهمة، فنظراً إلى أن منهج السلف فيه حزم تجاه رءوس البدع الذين يدعون إلى البدعة، وأن السلف يرون أن من دعا إلى بدعة وأفتى الناس بها فهو مفسد، فكانت أحكامهم النظرية والتطبيقية أحياناً على أهل البدع قاسية، وكانوا أيضاً يوصون الحكام بالأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء بالحزم، نظراً لذلك جاءت شبهة أن بعض أئمة السلف عملاء للسلاطين، وهذا كذب وافتراء، فالسلف وأتباعهم يناصحون السلاطين في كل زمان ومكان إلى يومنا هذا، فعلماؤنا ومشايخنا يناصحون السلاطين أبراراً كانوا أو فجاراً، وليست هذه عمالة، يناصحونهم ويسمعون ويطيعون بالمعروف.
إذاً: الشبهة جاءت من هذا الجانب، فهم لما ضاقوا بما بين السلف والولاة من التعاون على البر والتقوى قالوا: هؤلاء الأئمة -أئمة السلف- استجابوا لضغط السلاطين في بعض مسائل العقيدة.
ومن ضمنها: دعواهم أن مسألة التقعيد لطاعة ولاة الأمر بالقواعد المعروفة نتيجة ضغط السلاطين عليهم، حتى اعتبروا جميع أبواب الأحكام السلطانية والتعامل مع السلطان وأحكام الولاية والإمامة والخلافة التي هي جزء من أبواب العقيدة وجزء من أبواب الفقه، اعتبروها كلها نتيجة عمالة بعض أئمة السلف للسلاطين؛ كاستجابة لواقع سياسي أو ضغط أو مداهنة إلخ.
وليس في عقيدة السلف -حتى في منهج التعامل مع ولاة الأمر- ما هو استجابة لرغبة سلطان ولا نتيجة ضغط ولا مجاملات، وإن حدث من بعض السلف شيء من ذلك فإنما ينفيه المنهج؛ لأنها تصرفات فردية تشذ عن القاعدة وليست محسوبة على المنهج.
المقدم: يوضح ذلك موقف الإمام أحمد أمام الحاكم في عصره وفي تلك الفتنة قتل بعض أئمة السلف ولم يرضخوا لهذا الحاكم أو ذاك لأجل تغيير عقيدة من عقائد المسلمين.
في نهاية الحلقة نشكر شيخنا الشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل على هذه الطروح الجميلة في موضوع: (الاتجاهات العقلية المعاصرة) في الحديث عن عقيدة أهل السنة والجماعة.