أنه في معنى زيد منطلق لا فرق بينهما غير أنك تدخل أما للتوكيد. دليل ذلك لو أن رجلاً شهد على رجل فقال: أما هذا فقد قتل فلاناً أو قال: هذا قتل فلاناً، كانت الشهادة واحدة، لأن معنى الكلام واحد. وإذا قلت: رأيت أمَّا زيداً وأما عمراً ثم ألقيت أمَّا فقلت رأيتُ زيداً وعمراً تغير الكلام ولم يكن في معنى الأول، لأن معنى رأيت أما زيداً وأمَّا عمراً معنى الشك في أحد الاسمين، وإذا قلت: رأيتُ زيداً وعمراً فقد اشتملت الرؤية عليهما جميعاً، وكلما حسن السكوت على أمَّا ولا تحتاج إلى تكرير فهي أما مفتوحة، وذلك قولك: أمَّا زيدٌ فمنطلق، لأن الكلام قد تم فإذا لم يستغن الأول عن تكرير أمَّا فهي إمَّا مكسورة، وذلك قولك: 1/ 328 رأيتُ إما زيداً وإما عمراً لأنك لو قلت: رأيت إما زيداً لم يتم الكلام وعلى هذا جميع.
قال الله - تعالى- {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} فجاء بالفاء لتعلق الكلام بها. وقال الشاعر:
أما ابن طوق فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها
فجاء بالفاء ليُعلق آخر الكلام بها. ولا يجوز أن تولي إما الفاء، فخطأ أن تقول إمَّا فقائم زيد وإمَّا فقائم عمرو. الفراء عن العرب: إمّا هي تكون التي رأيت فزيدت والله وقد تجيء إيما في موضع إمّا. وقال عمرو بن أبي ربيعة:
رأيتْ رجلاً إيْما إذا الشمس عارضت ... فيضحي وإما بالعشي فيخصرُ