4- قيامُ الليلِ يورثُ صاحبَه لذةً في القلبِ، وقد حكى ذلك كثيرٌ من السلف: قال ابنُ المنكدرِ: ما بقي من لذَّاتِ الدُّنيا إلا ثلاثٌ: قيامُ الليلِ، ولقاءُ الأخوانِ، والصلاةُ في جماعةٍ. وقال أبو سليمانَ –رحمه اللهُ-: أهلُ الدُّنيا في ليلِهم ألذُّ من أهلِ اللَّهوِ في لهوِهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاءَ في الدُّنيا. وقال آخرُ: لو يعلمُ الملوكُ ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف. وقال آخر: إن لي وردًا بالليل لو تركته لخارت قواي. قال الغزالي-رحمه الله- في بيان ما يعود على قائم الليل من اللَّذة: "وأما النقل فيشهد له أحوالُ قوّام الليل في تلذذهم بقيام الليل واستقصارِهم له كما يستقصرُ المحبُّ ليلةَ وصالِ الحبيب، حتى قيل لبعضهم: كيف أنت والليل؟ قال: ماراعيته فقط يريني وجهه ثم ينصرف وما تأملتُه بعدُ. وقال آخر: أنا والليل فرسا رهان؛ مرة يسبقني إلى الفجر، ومرة يقطعني عن الفكر، وقيل لبعضهم: كيف الليل عليك؟ فقال: ساعة أنا فيها بين حالتين، أفرح بظلمته إذا جاء وأغتم بفجره إذا طلع ما تم فرحي به قط. وقال علي ابن بكار: منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء سوى طلوع الفجر، قال الفضيل بن عياض: إذا غربتْ الشمسُ فرحتُ بالظلام لخلوتي بربي، وإذا طلعتْ حزنتُ لدخول الناس عليّ" (?) .

5- صاحبُ قيامِ الليلِ يصبحُ طيِّبَ النفسِ نشيطًا يُعان على عملِه سائرَ يومِه. قال رسولُ اللهِ –صلى اللهُ عليه وسلم-: (يعقد الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكم إذا هو نام ثلاثَ عقدٍ، يضرب مكانَ كلِّ عقدةٍ: عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ ذكرَ اللهَ انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدةٌ، فإن صلى انحلت عقدةٌ، فأصبح نشيطاً طيبَ النفسِ، وإلا أصبح خبيثَ النفسِ كسلانَ) متفق عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015