قال المصنف رحمه الله تعالى: [وذلك من غير اعتقاد التجسيم في الله عز وجل، ولا التحديد له، ولكن يرونه جل وعز بأعينهم على ما يشاء هو بلا كيف] .
كلمة (التجسيم) من الألفاظ المبتدعة التي لم ترد في الشرع إثباتاً ولا نفياً، وكان الأولى بالمؤلف أن لا يذكرها لأنها من جملة ما يحتجون به، حيث إنهم يقولون: إن الله تعالى ليس بجسم، وإذا لم يكن جسماً فكيف يُرى.
ويقولون: إن إثبات الرؤية يلزم منه أن يكون جسماً.
ويقسمون الموجودات إلى جواهر أو أعراض، والعرض هو ما ليس له جُرْم، والجسم ما له جُرْم، ونحو ذلك.
والصحيح أن كلمة التجسيم لا يجوز استعمالها، فمن قال: إن الله جسم فهو مبتدع، ومن قال: إن الله ليس بجسم فهو مبتدع.
يقول المعلق هنا: (التجسيم من الألفاظ المجملة المحدثة التي أحدثها أهل الكلام لم ترد في الكتاب والسنة، ولم تعرف عن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الدين، وما كان أغنى المؤلف رحمه الله عن مثل هذه الكلمات المبتدعة، لذلك لا يجوز إطلاقها لا نفياً ولا إثباتاً، فإن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله نفياً أو إثباتاً) .
يُنكر على من استعمل لفظة التجسيم إثباتاً أو نفياً.
وقد تكلم على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج) وفي غير ذلك من كتبه، وأنكر على من يستعمل هذه الكلمات، ولما جادله بعض الأشاعرة قالوا له: يلزمك إذا قلت: إن الله يسمع لا كسمع المخلوق، وأن لله حياة لا كحياة المخلوقين، وإن لله علماً لا كعلم المخلوقين، وإن لله وجهاً لا كوجوه المخلوقين يلزمك أن تقول: إن لله جسماً لا كأجسام المخلوقين.
فاعتَرضَ على ذلك وقال: لفظة التجسيم ليس عليها دليل في الكتاب ولا في السنة، فلأجل ذلك ننكرها ولا نقول: إن الله جسم ولا إنه غير جسم، كما لا نقول: عرض ولا غير عرض، وكما لا نقول: جوهر ولا غير جوهر.
وكذلك كلمة (الحد) فالتحديد من العلماء من أطلقه وقال: إن لله تعالى حَداً.
ومنهم من قال: ليس لله حد.
والأولى التوقف في الأشياء التي لم يرد عليها دليل، والذين أثبتوا الحد لله أرادوا بذلك الرد على من ادعى أن الله تعالى في كل مكان وقالوا: ليس لله حد ولا منتهى.
فمن أجل أن يبطلوا قول هؤلاء الملاحدة الذين يدعون أو يصفون الله تعالى بأنه في كل مكان، أو بأنه عين وجود الموجودات صرّح أهل السنة أو بعضهم بأن الله تعالى له حد، أي: له منتهى، ولكن الكلمات التي لم يرد عليها دليل الأولى عدم إطلاقها.
وعلى كل حال فهذه المسائل -أي: مسألة النزول والرؤية- من المسائل الاعتقادية التي يدين بها أهل السنة، ويعتقدون أنها على الحقيقة وإن لم يكيفوها، فيتوقفون عن التكييف ويثبتون المعاني ويثبتون الدلالات.