ولما اشتهر ذلك عندهم صرّح أهل السنة بمدلولها، وقالوا: نقول بها لأنا إذا رددناها لزمنا أن نرد شطر الدين؛ لأن الذين جاؤوا بهذه الأحاديث هم الذين جاؤوا بأحاديث الصلاة والصوم والصدقات والجهاد والمحرمات والمحللات.
فكيف نرد بعض حديثهم ونقبل بعض حديثهم، لا شك أن في هذا طعناً فيهم أنهم ليسوا بثقات؛ حيث إنه رُدّ قولهم، فإما أن نقبل أقوالهم كلها وإما أن نردها كلها.
ولهذا يقول الكلوذاني في عقيدته: قالوا النزول فقلت ناقله لنا قوم هم نقلوا شريعة أحمد قالوا فكيف نزوله فأجبتهم لم ينقل التكييف لي في مسند وهكذا أخبر بأنه نقلة لنا من نقل الشريعة، وأننا نقبله ولا نكيفه فقال: لم ينقل التكييف لي في مسند.
وهذا معنى ما ذكره الإسماعيلي: أنه ينزل إلى سماء الدنيا على ما صح به الخبر بلا اعتقاد كيف، يعني: لا نكيف النزول.
وذلك لأن الذين أنكروا ذلك أخذوا يكيفون: كيف ينزل؟ وهل يخلو منه العرش؟ وهل ينزل بعرشه؟ وهل تكون السماوات فوقه؟ وهل يحصل كذا وكذا؟ ولا دخل لنا في ذلك، ينزل كما يشاء، ونؤمن بذلك، ونعرف أن النزول حق يستدل به على صفة العلو، وذكر ذلك ابن عبد البر في (التوحيد) وقال: هذا دليل على إثبات صفة العلو لله؛ لأن النزول لا يكون إلا من أعلى.
ورُفع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية سؤال عن هذا النزول فأنكره أحد السائلين، وادعى أن الليل يختلف باختلاف البلاد، فإذا كان الليل عندنا كان النهار في البلاد الأخرى وإذا كان الليل في البلاد الأخرى كان الليل عندنا، يقول: على هذا يستلزم أن الله تعالى دائماً ينزل! فأجاب على هذا السؤال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والجواب مطبوع في رسالة بعنوان شرح حديث النزول، فتوسع في أحاديث النزول وفي أدلتها وفي ألفاظها، ثم بيّن حقيقة النزول وتوقف عن الكيفية، ثم أجاب عما ذكروه من أن الليل يختلف باختلاف البلاد، واعترف بذلك وقال: نحن نقول: ينزل ولا يشغله شأن عن شأن، فإذا نزل على هؤلاء فلا يشغله شأنه ألا ينزل على الآخرين، ثم ينزل على الآخرين كما يشاء فالحاصل أنه لا مانع من أن ينزل على كل قوم في ثلث ليلهم الأخير كما يشاء، هذا جواب.
وجواب ثان أنه يمكن أن يخص النزول بالجزيرة التي نزل فيها الوحي، والتي هي منبع الرسالة، أي: يكون النزول خاصاً بهم، وأن أولئك إذا نزل في هذا الوقت فلهم أن يجتهدوا في ذلك الوقت ولو كان عندهم نهاراً.
هذا ونحوه قول أهل السنة في إثبات هذه الصفة، وأنها من صفات الأفعال.