القدر أنواعه واعتقاد أهل السنة فيه

الإيمان بالقدر السابق وبعلم الله القدير واجب على كل مسلم، وقد ذكروا أن هذا النوع على أربعة أقسام: التقدير العام، والتقدير العمري، والتقدير السنوي، والتقدير اليومي، فالتقدير العام هو الذي كتبه الله في اللوح المحفوظ لكل ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.

وأما التقدير العمري فهو الذي يكتب والإنسان في رحم أمه، يبعث إليه الملك فيؤمر بكتب أربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، يكتب ذلك وهو في الرحم مع أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، وهذا لكل إنسان، ولهذا قال في الحديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) .

وهكذا أيضاً أخبر بأن الله تعالى كتب على الإنسان كل شيء، وبأنه لا يتغير: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) ، وهذا علم الله تعالى السابق، استدل عليه بهذه الآية من سورة الحديد: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] أي: من قبل أن نخلقها.

أما القدر الذي أنكرته المعتزلة فهو قدرة الله تعالى على كل شيء، حيث إن المعتزلة يجعلون قدرة العبد أقوى من قدرة الرب، فيقولون: إن العباد مستقلون بأفعالهم، وليس لله قدرة على هداية أو إضلال، بل العباد هم الذين يهدون أنفسهم أو يضلون.

ويقولون: لو أراد العبد أن يفعل شيئاً وأراد الله أن لا يفعله غلبت قدرة العبد قدرة الرب.

فالعبد عندهم هو الذي يهدي نفسه أو يضلها، وأنكروا قول الله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد:33] ، وأنكروا قول الله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل:37] ، فمن يضله الله فلا يهديه أحد.

وتكاثر في القرآن إسناد الإضلال والهداية إلى الله، كقوله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل:93] .

ويؤمن أهل السنة بأن قدرة الله تعالى عامة لكل شيء، لعموم قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:284] ، ويدخل في ذلك أفعال العباد وحركاتهم، فهي لا تحصل إلا إذا شاءها الله تعالى وأرادها، قال تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء:4] ، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس:99] ، وقال تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:149] .

فمشيئة الله تعالى وقدرته داخل فيها كل أفعال العباد، لا يكون في الوجود إلا ما يريد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015