وذكر أبو الفرج الأصبهاني قال: دخل أبو عبيد الله على المهدي، وكان قد وجد عليه في أمر بلغه عنه، وأبو العتاهية حاضر المجلس، فجعل المهدي يشتم أبا عبيد الله ويتغيظ عليه، ثم أمر به فجروا برجله وحبس، ثم أطرق المهدي طويلاً، فلما سكن أنشده أبو العتاهية:
أرى الدنيا لمن هي في يديه ... عذاباً كلما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصغرٍ ... وتكرم كلّ من هانت عليه
إِذا استغنيت عن شيءٍ فدعه ... وخذ ما أنت محتاجٌ إِليه
فتبسم المهدي، وقال لأبي العتاهية: أحسنت! فقام أبو العتاهية ثم قال: والله يا أمير المؤمنين، ما رأيت أحداً أشد إكراماً للدنيا، ولا أصون لها، ولا أشح عليها، من هذا الذي جر برجله الساعة، ولقد دخلت على أمير المؤمنين، ودخل هو، وهو أعز الناس، فما برحت حتى رأيته أذل الناس، ولو رضي من الدنيا بما يكفيه، لأستوت أحواله، ولم تتفاوت! فتبسم المهدي ودعا بأبي عبيد الله فرضي عنه، فكان أبو عبيد الله يشكر ذلك لأبي العتاهية.