وكان عبد الرحمن عظيم الهيبة مخوف البادرة، لا يقدم على رد ما يصدر عنه، فما ثرب على أُمية في ذلك، بل آثره بعد وأحظاه، وكان في عداد من يشاوره من خاصته ونقباء دولته، ويفضل آراءه، ثم توارث عقبه شرف الكتابة للمروانيين بالأندلس، واتصلت النباهة فيهم دهراً طويلاً.
كتب للمهدي قبل الخلافة، وتجاوز حد الكتابة، لأنه رباه وكفله، واستقبل به الأمور فكان يكرمه ولا يخالفه في شيء يشير به عليه، إلى أن ولي الخلافة فاستوزره. وحكي أنه عزله بعد ذلك عن الدواوين، فكتب إليه: لم ينكر أمير المؤمنين حالي في قرب المؤانسة وخصوص الخلطة من حالي عنده قبل، في قيامي بواجب خدمته التي أدنتني من نعمته، ووطدت لقدمي في مهاد كرامته، فلم أُبدل أعز الله أمير المؤمنين حال التبعيد، ويقرب لي محل الإقصاء، وما يعلم الله مني فيما قلته، إلا ما يعلم أمير المؤمنين! فإن رأى أكرمه الله أن يعارض قولي بعمله، بدءاً وعاقبةً، فعل إن شاء الله!. فلما قرأ الكتاب شهد بتصديقه قلبه، وقال: ظلمنا أبا عبيد الله فليرد إلى حاله.