ومن فصولها: وغير ذاهب على مولاي جلية حالي وسوء مآلي، وما منيت به من الجد العاثر والتأخر الظاهر، وما قلت إلا بالذي علمت سعد وفي علمه الجلي وفهمه الذكي أن الإناء إذا امتلأ يفيض، وأن الصبر على المعضل يغيض، وأن للاحتمال مدى ثم ينقطع، وللتحمل منتهى ثم يرتفع، ومملوكك لما غلبه جلده، وتناهى بشأنه كمده، وأظلم في عينيه ضوء النهار، وسد عليه طريق الاختيار، لم يجد بداً من مضايقة العسرة من النفار، خجلاً من الشمات اللاحق له، وتألماً من الخلل الملم به:
وللموت خيرٌ من حياةٍ يرى لها ... على المرء ذي العلياء مسّ هوان
متى يتكلم يلغ حسن كلامه ... وإن لم يقل قالوا عديم بيان
وكان ارتحاله من بلنسية إلى طليطلة، فاستوزره المأمون يحيى بن ذي النون، وألقى إليه بأموره كلها، فشهر اكتفاؤه وشكر غناؤه؛ ولأبن حيان في الثناء عليه إسهاب وإطناب، وأعتبه المنصور في بنيه، فلحقوا به على ما أحب، وتزايدت حظوته عند ابن ذي النون، وظهرت كفايته، فلما توفي المنصور عبد العزيز ببلنسية، وقدم ابنه عبد الله، أنفذه ابن ذي النون مع قائد من خاصته في جيش كثيف أمرهم بالمقام معه، وشد ركنه، فسكنت الدهماء عليه.