ثانياً: أشارت الآية إشارة لطيفة إلى وجوب تنوّع التّخصّصات وتوزيع الأعمال، وذلك بأن يُختار لكلِّ مجال من مجالات الحياة مَن يتخصّص فيه ويُبدع ويُنتج، فقال تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}، أي: من بعضهم: فجماعة تتخصّص في الدعوة، وأخرى تتخصّص في فرع من فروع المعرفة الإنسانية.

ثالثاً: أشارت الآية إلى أنّ الأمر لا يتوقّف على اختيار جماعة فقط، ولكن يجب أن يتبع الاختيارَ الإعدادُ الجيّد، والتّكوينُ الدّقيق، والتّفقّه في الدِّين؛ فقال تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ}. وهذا معيار نجاح الدّاعية؛ فبجانب معرفته بأساليب الدّعوة ووسائلها، يجب عليه أن يكون فقيهاً بأحكام الشريعة الإسلامية، حتى يجمع بين فضيلتَي: الفتوى والدّعوة إلى الله.

قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن يُرد الله به خيراً يُفقِّهْهُ في الدِّين)). وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- لابن عمّه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ((اللهمّ فَقِّهْهُ في الدِّين، وعلِّمْه التّأويل)).

رابعاً: الآية تُلقي العبْء على الدّعاة بعدما تعلّموا وتفقّهوا، أن يبرحوا أماكن الدارسة ومواطن تلقِّي العلوم، ويرجعوا إلى ديارهم وعشيرتهم، ويُعلِّمونهم أمور الدِّين ويحذِّرونهم من عواقب مخالفة شرْع الله والتّجرؤ على معصيته، فخُتمت الآية بقوله تعالى: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. والتّزوّد بالعلْم لا نهاية له، والتّوسّع في الثقافة والمعارف لا حدود لها، ولذلك أمَر الله رسولَه -صلى الله عليه وسلم- بالاستزادة من العلْم، فقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}.

وإنّ رحلة موسى في طلَب العلْم، وتجشُّمه الصِّعاب في طول الأسفار وفي الحلّ والتّرحال، وشدّة عزْمه في طلَب المعرفة ولو طال به الزّمن ومرّت به الأحقاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015