2 - الثقافة الإسلامية ثقافة إنسانية ترتبط بالإنسان منذ أن خلَق الله آدم -عليه السلام-، وعبْر مسيرة التاريخ الذي شهد كوكبة من الأنبياء والمرسلين، دعَوْا جميعاً إلى الإسلام، وبيّنوا للإنسانية عظَمة الخالق سبحانه، ودلائلَ قدرته، وبالغ حِكمته. وكلّما انحرف العقل الإنساني وابتعد عن تلك الثقافة الإيمانية، أرسل الله نبياً أو رسولاً على فترات متقاربة أو متباعدة، لتصحيح الفكر، ونتقية ثقافة الأمم وعاداتها وتقاليدها من الشوائب. وظلّ الأمر على هذا النهج، حتى خُتمت النبوات والرسالات بخاتَم الأنبياء: سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
3 - الثقافة الإسلامية في جذورها ونشأتها تكوّنتْ على وحي السماء من خلال آيات القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِن خلْفه، تنزيل من حكيم حميد.
وكذلك تشكّلت معالِمُها وتحدّدت ملامحها بأقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، ممّا جعَلها فكراً وثقافة ينشدان الكمال الإنساني في أسمى صُوَره. ولقد كان اختيار مكة بالذّات مهبطاً للوحي، ثم المدينة عاصمة للدولة الإسلامية، وهما يبعدان كلّ البعد عن الحواضر الكبرى المعاصرة في فارس والروم، ممّا يوحي بالاستقلال التام للثقافة الإسلامية، وأنها تصوغ عقل الأمّة وفكْرَها وثقافتها صياغة مستقلةً عن الحضارات والثقافات الأخرى. وقد نزل القرآن الكريم بالقول الفصل في استقلال الإسلام بكلّ مقوّماته العقائدية والتشريعية والثقافية عن الآخَرين، فقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
وفي تكرار نفي عدَم العبادة بالمفهوم اللّغوي، وهو عدم الطاعة والخضوع، ممّا يوحي بعدم قبول كلّ فريق بعقيدة الآخَر وثقافته.