وإقناعهم واحتواءهم، لن يبلغ أثَره في القلوب والنفوس مهما أوتي الإنسان من البلاغة وتصنّع تزويق الكلام وتحسينه، إلا إذا ارتبط بقول الحق ونُطْق الحقّ.

وحينما يتوافق صِدْق النّية مع صدْق اللسان، وتتّحد مشاعر القلب وأفكار العقل مع طلاقة اللسان، ببيان أحكام الشرع وآدابه، وبيان الأشياء على حقيقتها، وتقديم النّصح دون خوف أو وجل، وإبداء الشجاعة في الحديث دون مجاملة على حساب الدِّين، وبلا مُزايدة على مصالح الأمّة، ومن غير نفاق ينال الدّاعي به رضى بشَر، ولا رياء يَنفُذ مِن خلاله لمَنصب أو جاه، فإنّ القلوب تطمئنّ لِحديثه، والنفوس تنشرح بكلامه، والأفئدة والعقول تنقاد لتوجيهه وإرشاده.

ولأهمِّيّة صدْق اللسان، كان دعاء إبراهيم -عليه السلام-، كما جاء في قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ}.

ولقد استجاب الله دعاءه، بعد صِدق القول في النصيحة لأبيه وقومه، وأعلن اعتزاله لهم، وبُعدهِ عن مواطن أصنامهم، فوهبه الله أبناء وأحفاداً أصحاب ألْسنةٍ صادقة، قال تعالى: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}.

وقد وصف الله -سبحانه وتعالى- القرآن الكريم أنه كتاب صدْق بلسان عربيّ، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}.

وقد أفصح القرآن الكريم عن خطورة ما يقوم به أهل الكتاب بالكذب على الله، وتحريف الكلِم عن مواضعه، لتحريم حلال أو تحليل حرام، مُمالأة لِحاكم أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015