المرتبة الثانية: صدْق اللّسان:
إنّ نعمة البيان من أعظم النِّعم التي أنعم الله بها على الإنسان، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}.
فاللّسان هو المعبِّر عمّا يجيش به الفؤاد، والنّاطق بما يجول في القلب والفكر والوجدان. وبمَنطِقِه يتمّ التفاهم بين بني الإنسان، والتعارفُ بين الأمم والأوطان. وهو أداة لنقل العلوم والمعارف. وهو أساس البلاغة ومن أمارات الفصاحة، به تُستمال القلوب، وتنقاد الأمم والشعوب. وهو وسيلة الرّسُل في الدّعوة إلى الله، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
فموسى -عليه السلام- حينما أمَره الله بالذهاب إلى فرعون، دعا الله سبحانه أن يفكّ عقدة لسانه، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}.
وقد طلَب الاستعانة بأخيه هارون، لفصاحة لِسانه وملَكة بيانِه، قال تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}.
والقرآن الكريم تنزّل على خاتم المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- بلسان عربيّ مُبين، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}.
فطلاقة اللّسان بالصّدق، وحُسْن المنطق بالحق، وسلامة التعبير بإظهار الحقيقة، هي دعائم الدّاعي إلى الله؛ فإنّ التأثير في جمهور المسلمين، واستمالتهم