3 - كان للأحداث التَّاريخيَّة الَّتي عصفت باليهود ومزَّقتهم شرَّ ممزق، حيث سُلِّط عليهم خلال التَّاريخ مَن أذاقهم الذُّلَّ والهوان، مصداقاً لقوله تعالى:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف:167 - 168].

ولقد كان لتلك الأحداث المتعاقبة، أثرٌ بالغٌ في ضياع التَّوراة، وفقدان أصولها ونصوصها المنزلة من عند الله، ولا سِيَّما في أعقاب الأسر البابليِّ لهم عام (586 ق. م)، في عهد ملك بابل بختنصر.

وظهر خلال فترة الأسر، في بابل، كاهنٌ وكاتبٌ يهوديٌّ يُسمى عزرا الَّذي عاصر عفوَ الملك الفارسي (قورش) عن اليهود، وقد أذن لهم بالعودة إلى فلسطين، فلما رأى عزرا أنَّ القوم أُحرِق هيكلُهم، وزالت دولتهم، وتفرَّق جمعُهم، ورفع كتابهم؛ جمع من محفوظاته، ومن الفصول الَّتي يحفظها الكهنةُ ما لفَّق منه هذه التَّوراة التَّي بأيديهم الآن، فهذه التَّوراة الَّتي بأيديهم على الحقيقة كتابُ عزرا، وليس كتاب الله.

هذا التَّوضيح عن ضياع التَّوراة، ذكره السموأل بن يحيى، الَّذي كان من أحبار اليهود في القرن السادس الهجري، ثم أسلم وحَسُنَ إسلامه.

وأكدت الدراسات الحديثة هذا، خاصةً ما ذكره موريس بوكاي، في كتابه: "دراسة الكتب المقدسة، في ضوء المعارف الحديثة"، وهكذا امتدَّت الأيدي لتصنع ما يروقُ لها، وابتدأت فئةٌ من الكتبة الَّذين كانوا يُعرَفون بالفريسيين، وهم الَّذين حملوا بعد ذلك اسم الحاخامات، أي معلمو الشَّريعة، ولقد تتابع هؤلاء الكتبة على الإضافة إلى التَّوراة، وإلحاق أسفار جديدة، حتى تكوَّن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015