والواجب في هذه الصفات بنوعيها: إثباتُها لله -عز وجل- على حسب المعنى الَّذي يليق بكماله -سبحانه وتعالى- وهو المعنى الحقيقيُّ لها، الَّذي الَّذي ليس فيه تمثيلٌ ولا تعطيلٌ ولا تحريفٌ ولا تكييف، وأن نقول ما قاله الإمام الشَّافعيُّ -رضي الله عنه-: "آمنتُ بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-".
وهكذا، فقد ألقينا الضوء على الرُّكنين الأساسيَّين، والرَّكيزتين من الأسس والرَّكائز التَّي تقوم عليها الدَّعوة إلى الله، وهما الإيمان بوجود الله وتوحيده، أما عن بقية أسس الدَّعوة وركائزها، فهذا موضوع المحاضرة القادمة -إن شاء الله-.
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي عشر
(الأسس والدعائم التَّي تقوم عليها الدَّعوة إلى الله (1))
1 - تابع الأسس والدعائم الَّتي قامت عليها دعوة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-
الحمدُ لله، هدانا إلى الإيمان، وأنعم علينا بنعمة الإسلام، والصَّلاة والسَّلام على خير الأنام، الَّذي أرسله للنَّاس كافَّةً بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وأصحابه الَّذين آمنوا برسالته وصدَّقوا بدعوته، فأجرى اللهُ الخيرَ على أيديهم للخلق أجمعين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ...
تمهيد:
فقد تناولنا في اللِّقاء السَّابق من ركائز وأسس الدَّعوة إلى الله، الإيمان بوجود الله ووحدانيته، وفي هذه المحاضرة نتابع الحديث -إن شاء الله- حول تلك الأسس، والَّتي جاءت في قوله تعالى:
{آمَنَ الرَّسول بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].
من الأسس والدَّعائم الَّتي قامت عليها الرِّسالات السَّماويَّة منذ أن خلق الله آدم -عليه السَّلام-، وإلى بِعثة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وستظلُّ قائمةً وساريةً -إن شاء الله- إلى يوم القيامة: الإيمان بالغيب؛ وهو كلُّ ما لا يدركه العقل والحواسُّ، ولا يُعرف حقيقته إلا عن طريق الرُّسل المرسلة والكتب المُنزلة.
والإيمان بالغيب دعامة كل دين، وأساس كل ملة وشريعة، وهو الفيصل بين المؤمن والكافر، والمتدين والملحد، وهو المميز للإنسان عن سائر المخلوقات الَّتي تشاركه الحياةَ على ظهر هذه الأرض، فهو يسمو بالإنسان عن الحيوان، ويغرس في نفسه الأمل، فلا يتسرب اليأس إلى قلبه والقنوط في نفسه، إن أخفقت آماله في الدنيا، وتعثرت خطى أمانيه في الحياة؛ لاعتقاده الصادق ويقينه القاطع: أن ما عند الله في الآخرة خير وأبقى.
والإيمان بالغيب، يولِّد في قلب الإنسان المسلم معانيَ كثيرةً، كالخوف من الله ومراقبته في السِّرِّ والعلن، والإيمان بالقضاء والقدر، والعزة وإباء الضيم، والتَّرفع عن الدَّنايا، والشجاعة والإقدام، والصُّمود في مواجهة ما يعتري الإنسانَ خلال مسيرة