يدفع بالنَّفس البشريَّة لتهتفَ من أعماقها، مردِّدة قول الله تعالى:
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [لقمان:11].
فهذا الكون بنظامه البديع، وإحكامه المتقن، وتناسُقه المبهر، لا يُمكن أن يتصوَّر العقلُ والفكرُ أنَّه وُجد بدون خالق، فالعدم لا يخلق شيئاً، فمن المستحيل عقلاً، أن يوجد فعلٌ بدون فاعل أو أثرٌ بدون مؤثر، فهذا الإبداع المعجز في الكون والتَّآلف والتَّزاوج بين جزئيَّاته، والتَّرتيب والتَّناسق بين عناصره، والتَّعادل والتَّوازن الدقيق بين ذرَّاته، كلُّ هذا محكومٌ بقوانين إلهيَّة منضبطة ومحكمة، وسننٍ إلهيَّة لا تتخلَّف، ولا يتصوَّر عاقل أن ذلك الخلق والإبداع والتَّدبير قد تم عن طريق الصدفة العشوائيَّة، أو عن طريق مادة سابحة تنقسم جزئيَّاتُها، لتتولَّد منها الأشياء، كما يزعم الملحدون. فالمصادفة لا يُعقل أن يتولَّد عنها نظامٌ، إذن فلم يبق إلا أن يُذعِنَ الإنسان بعقله، ويستجيبَ لنداء الفطرة بوجود الخالق -سبحانه وتعالى-.
قال -جلَّ شأنه-:
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36].
وإمعاناً في إقامة الأدلَّة، ومنعاً لكلِّ شبهة ومَظَنَّة، فقد احتوى القرآن الكريم على كثيرٍ من آيات الله في الأنفس والآفاق، فحينما يشاهدُ الإنسان صفحةَ الكون، ويرى آيات الله في أرجائه، فكأنَّه يقرأ القرآن الكريم، وحينما يقرأ القرآن الكريم ويتدبَّر في آياته؛ فكأنَّه يُبصر الكون أمامه، ويشاهد عن قربٍ حقائقه، فالكون والقرآن كلاهما يشهدان على وجود الله، وقد قيل: "القرآن كونُ الله المقروء، والكون قرآنُ الله المنظور".
وقد أدرك أعرابيٌّ بفطرته وجودَ الله، وعبَّر عن ذلك بما شاهده من حوله فقال: "البَعرةُ تدلُّ على البعير، وأثرُ الأقدامِ يدلُّ على المسير، فسماءٌ ذات أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ؛ أفلا يدلُّ ذلك على اللَّطيف الخبير؟! ".