لدعوة الخلق إلى التَّوحيد، ليقولوا: "لا إله إلا الله"، وما أُمروا أن يقولوا: "الله موجود"؛ فإنَّ هذا مجبولٌ في الفِطَر والعقول، ولذلك قال تعالى:

{وَلَئِنْ سَالتَّهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9].

فلا يكاد يخلو عقلُ وقلبُ مخلوقٍ من الاعتقاد بوجود إلهٍ خالقٍ لهذا الكون ومدبِّر لحركته، حتَّى أولئك الَّذين عبدوا الآلهة أو مظاهر الطَّبيعة، فإنَّ هذا من منطلقٍ فطريٍّ بوجود قوَّة قاهرة وخالقة لهذه الأنفس والآثار، وإنْ ضلَّت عقولهم فيما يعتقدون، حتَّى الملحدون الَّذين أنكروا الله وكفروا به، لم يسعْهُم إلا أن يقولوا بأنَّ المادة هي التَّي تكوَّن منها هذا العالم، فهي عندهم كلُّ شيٍء، منها يبدأ كلُّ شيء، وإليها ينتهي؛ فهي الفاعلة وهي الصَّادقة، وهي مصدر الوجود والحياة، وكذلك هي مصدر العدم والفناء، وقد عبَّر عن هؤلاء -في بيان عقيدتهم المادِّيَّة تلك، وإنكارهم الألوهيَّة "ماركس" مؤسِّس الشُّيوعيَّة، حينما قال قولته الخبيثة: "لا إله، والحياة مادَّة".

فقد أسند هؤلاء الملحدون للمادة، ما يجب أن يُسندوه لله؛ لأنَّهم لم يستطيعوا إنكارَ أنَّ لهذا الكون قوَّةً فاعلةً دائمةَ الوجود، وهم بذلك استجابوا لنداء الفطرة، غيرَ أنَّهم قد ضلَّت عقولُهم وطُمست بصائرهم عن معرفة الخالق َلهذا الكون، وهو الله -سبحانه وتعالى-.

فالإنسانيَّة، منذ أن خلق اللهُ آدم -عليه السلام- قد انطبع في عقلها وانغرس في أفئدتها ومشاعرها، الإحساسُ بوجود الخالق، وذلك من خلال العهد والميثاق الَّذي أخذه الله على البشر، وهم ما يزالون في عالم الرُّوح، بأنَّه الرَّبُّ الخالق، وأشهدهم على ذلك، قال تعالى:

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015