فتكرار ذكْرهم في القرآن الكريم يوجب على الدّارسين والدّعاة: أن يقفوا على سُبل تحمّلهم وأساليب صبرهم. وسوف نعرض لمواقفهم -صلوات الله وسلامه عليهم- في الصبر والمصابرة، والمغالبة، والتّحمّل، في العنصر التالي.
التعريف اللّغوي لكلمة "عزْم":
عَزَمَ على الأمْر: أراد فعْله، وقطع عليه، أوْ جدَّ في الأمْر.
وأولو العزْم من الرّسُل: الذين عزموا على أمْر الله فيما عُهد إليهم. وقال الزمخشري: هم أولو الجِدّ والثّبات والصبر.
والأنبياء والمرسلون -صلوات الله عليهم أجمعين- من لدن آدم -عليه السلام- أولو عزم وثبات وصبر في الدعوة إلى الله. ولقد جاء في تفسير قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}: أنّ {مِنْ} بيانيّة تشمل جميع الأنبياء والمرسلين. ويرى جمهور المفسرين: أنّ {مِنْ} تبعيضية تختص ببعض الأنبياء الذين أشار إليهم القرآن الكريم في سورتَيِ (الأحزاب) و (الشورى)، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى بن مريم، ومحمد -صلى الله عليهم وسلم أجمعين-. وسوف نقصر الحديث في هذه المحاضرة على جانب الصّبر في رسالات هؤلاء الخمسة -صلوات الله وسلامه عليهم-، أمّا عن مناهجهم وأساليبهم في الدعوة إلى الله، فسنُفرد لها محاضرة خاصة في المستوى الثاني -إن شاء الله-.
أولاً: نوح -عليه السلام-.
هو: أبو البشر الثاني، وأوّل الرسل بعد آدم -عليه السلام-، اصطفاه الله للنّبوّة، واختاره للرسالة، بعد أن انتشرت في قومه عبادة الأصنام، وانحرفت أخلاقُهم إلى الرذائل، واستشرى الظلم والاستبداد والقهر من الأغنياء على الضعفاء.