ونوح -عليه السلام- نموذج فريد من بين الأنبياء والمرسلين الذين تحدّث عنهم القرآن الكريم؛ فقد لبث يَدعو قومه ألْف سنة إلاّ خمسين عاماً، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}.

هذه القرون العشرة زاخرة بالدروس، مليئة بالعِبر، واتّسمت بالصبر والمصابرة، والمجاهدة والمجالدة، والثبات وقوة العزيمة، وأبرزت للدّعاة أدبَ المجادلة وأساليب المحاورة، ونماذج التضحية حتى بالأبناء والأهل في سبيل الدّعوة إلى الله.

وقد أشار القرآن الكريم إلى مواقف نوح -عليه السلام- مع قومه في ثمانية وعشرين سُورة، وانفردت سورة كاملة تَحمل اسمه، وهي: سورة (نوح).

وسوف نستنبط معالم صبْره -عليه السلام- في مجالات الدّعوة التالية:

1 - الصبر على مواصلة الدّعوة بقوّة نافذة، وعزيمة شديدة لا تعرف اليأس ولا السّأم، في طول مرحلة الدّعوة مدّة تكاد تبلغ الألْف عام. قال تعالى حكاية عنه -عليه السلام-: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً}.

2 - الصّبر على إيذاء قومه، والذي اتّخذ صُوَراً متعدِّدة، منها:

أ- تهديده بالقتْل والرّجْم، قال تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}.

ب- وصْفه بالجنون، قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015