جزيرة كذلك من نحو حضاري تأخذُها المدنيَّات من أطرافها حيناً، وتتفشَّى هي في هذه المدنيَّات حيناً آخر، سواء في الشَّام أو العراق أو مصر.
وتلقى ما تلقاه عادةً من مدِّ الحضارات وجذرها، ومن تيَّاراتها وأمواجها، وبعضُ هذه الَّتياراتِ شديدةُ العمق، وبعضُها سطحيٌّ ظاهر، وبعضها صادرٌ عنها متأثِّرٌ بها، وبعضُها طارئ عليها مؤثِّر فيها، وعلى الجملة فهي في عزلتها عن العالم تحمل معاني صلتها به، وعلى أطراف إطارها المائي والرَّملي تنساب أسبابُ قراباتها وعلاقاتها.
وهذا الموقع المتميِّز الفريد، هو ما أشار إليه قوله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143].
ثانياً: أصل العرب ونشأتهم:
وصف المؤرِّخون العربَ بأنَّهم شعبٌ ساميٌّ -أي ينتمي إلى سام بن نوح-، وذكروا أنَّهم ربَّما نزحوا من حوض البحر الأبيض المتوسط، أو بلاد ما وراء النَّهرين منذ تاريخٍ بعيد، ثم استقرُّوا في شبه الجزيرة العربيَّة، وانتشروا بعد ذلك في ربوعها شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ووسطاً، وأصبحت الجزيرة العربيَّة منذ ذلك العهد وطناً لهم استقرُّوا فيه طوال الحقب، حتى جاء الإسلام فنزحوا إلى كثير من بلدان آسيا وأفريقيا.
وقد ورد ذكر العرب للمرة الأولى في الوثائق التَّاريخيَّة، من بين ما ورد في كتابات الملك الآشوري شالمنصر الثَّالث.
حيث أفادت الألواح الَّتي عُثر عليها في بلاد ما بين النَّهرين، أنه كانت هناك جماعات من القبائل اليهوديَّة تعيش في أطراف مملكته المتاخمة لصحراء الجزيرة