فإذا اقتصر مدلول الجزيرة على كتلتها الأصليَّة دون احتساب منطقة ما بين النَّهرين والمنطقة المطلَّة على البحر المتوسِّط منها، كان حدُّ الجزيرة الرَّملي الرَّابع مُكمِّلاً لحدودها المائيَّة الثَّلاثة.
وهي إحدى ثلاثة أشباه جزر في جنوب آسيا: شبه جزيرة العرب، وشبه جزيرة الهند، والهند الصينيَّة، ولكنَّها تمتاز عنهنَّ جميعاً، دون أشباه الجزر في القارات الأخرى، بأنَّها أكبرُهنَّ مساحةً (حوالي مليون ميل مربع)، أو (ثلاثة ملايين ك. م تقريباً). فهي أكبر من شبه جزيرة الهند، وهي أربعةُ أضعاف شبه جزيرة فرنسا، وثمانيةُ أضعاف مجموعة الجزر البريطانيَّة.
ويقابل هذا التَّفردَ في السَّعة تفرُّدٌ في الموقع، فالجزيرة العربيَّة تقع في العالم القديم موقع القلب، ففي الشَّرق لا يتجاوز المدى بين أقصى طرفها الشَّرقيِّ في ساحل عمان، وبين الهند (900 ك. م) تقريباً، وبينها وبين بلاد إيران تقابُلٌ وتجاوُرٌ وتلاصُق؛ تجاور في مضيق هرمز، وتقابل على شاطئ خليج البصرة، وتلاصق في الطرفين العربيِّ والعجميِّ.
أما حدودها في الشَّمال، والشَّمالِ الشَّرقيِّ، والشَّمالِ الغربيِّ، فمع سوريَّة والعراق ومصر، فهي حدود متَّصلة مَرَّةً، وعسيرةٌ على التَّحديد مرَّةً أخرى؛ ذلك لأنَّ صحارى الشَّام والعراق وسيناء، كلُّها جزءٌ من الجزيرة العربيَّة؛ ولأنَّ ما وراءها -أي الجزيرة العربيَّة- من سهول العراق والشام، وهو هذا الهلال الَّذي يُحيط ببادية الشام، متألِّفاً من سهول الرَّافدين، فسهول الجزيرة السوريَّة، فسهول حلب وحماة وحمص والغوطة وفلسطين حتى خليج العقبة، إنَّما هي صلة مستمرة لسهول الجزيرة الساحليَّة الضيقة، وامتدادٌ خصب لها.
وكذلك نرى أنَّ بلاد العرب، بهذا الموقع الفريد، الَّذي تلاصق فيه أكثر مراكز الحضارة القديمة، لم تكن جزيرةً من النَّحو الجغرافي فحسب، ولكنها كانت