وممّا تقدّم، نَعلم أنّ "الاستفتاء" في اللغة يَعني: السّؤال عن أمْر، أو عن حُكم مسألة.
وهذا السائل يُسمى: "المُستفتي"، والمَسؤول الذي يُجيب هو: "المُفتي"، وقيامه بالجَواب هو: "الإفتاء"، وما يُجيب به هو: "الفَتوى". فالإفتاء يَتضمن وجود: المُستفتِي، والمُفتِي، والإفتاء نَفسه، والفَتوى.
أما تَعريف "الإفتاء" في الاصطلاح، فلا يَخرج عن التَّعريف اللّغوي.
أهمِّيّة الإفتاء:
إن القِيام بالدِّين، وأداءَ شعائره، وتَطبيق أحكامه، يَنبغي أن يكون على عِلْم وبَصيرة وفَهْم، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
فالعِلم والبَصيرة يُؤدِّيان إلى الفَهْم العَميق لأحكام الإسلام، وتَذوُّق حَلاوة الإيمان، والاقتناع التام بما يقوم به من عِبادات، والرِّضى بما أمر الله به ونهى عنه. قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ذاق طعْمَ الإيمان: مَن رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً)).
فالرضى لا يتأتّى إلاّ من خِلال الفَهْم الدَّقيق، والتّعرُّف على حِكمة التَّشريع. وإذا تمَّ هذا، فإنّ المُسلم الحَق هو الذي يُؤدِّي الشعائر الدِّينية على أنها طاعة وعِبادة، تَتّسم بصِدق النِّية والإخلاص في العَمل، وعلى أنّ ما يَقوم به هو عِبادة لا عادة. أما حينما يَجهل بعضُ المُسلمين أحكامَ الدِّين، ويُقلِّدون غَيرهم دون تَدبّر وتَفقّه، حَيث تُؤدّى العِبادات على أنها عادة مَوروثة وتَقليدٌ مُتَّبع، ممّا يُفقِدها حرارة الإيمان، وصِدق العاطفة، وحلاوة الطاعة، وتُصبح غير ذات تأثير، لافتقارها للفَهْم الصحيح.
وإنّ أحد أسباب جُمود الأمّة وتَقهقرها الحضاري: فقدانها لِروح الجِهاد في سبيل الله لتحقيق عِزّتها وكَرامتها بين الأمم، وتوقّف وغَلْق باب الاجتهاد لحلّ قضاياها، وسَيطرة التَّقليد عَليها.