إن تربية الإنسان على إخلاص الخضوع، والطاعة، والعبادة لله وحده، في جميع أمور الحياة سينتهي إلى تنمية المشاعر الاجتماعية بشكلها المزدهر المتفتح الخير، وأول ما يقرره علماء الاجتماع، أن المجتمع إنما يتكون باجتماع مجموعة من الأفراد، واشتراكهم على تصورات وأهداف ومصالح، يفهمونها فهمًا موحدًا ويعملون لها جميعًا، فيؤلف ذلك بينهم بروابط تربط جميع الأفراد، وتشدهم بعضًا إلى بعض، وتحبب إليهم العيش المشترك، والتعاون والتكافل فيما بينهم.

وهذا الهدف الذي عرفناه للتربية الإسلامية، من أفضل التصورات المشتركة وأقدرها على لم شعت الأفراد، وربط قلوبهم وعواطفهم برباط متين لا يتزعزع، ثابت لا يتغير ما دام الأفراد يتعهدونه بالتزام ما ينتج عنه من سلوك عملي، ومن وعي وتقدير لظروف الحياة، على ضوء ما رأيناه من التصورات الإسلامية للكون وللحياة، ومن أركان العقيدة الإسلامية، أن جميع الأسس الفكرية والتعبدية، والتشريعية للتربية الإسلامية، وقد عرضناها في الفصل السابق، تؤلف سلسلة من التصورات المشتركة للمجتمع المسلم، ولكنها تمتاز عن تصورات سائر المجتمعات، غير الإسلامية بالعمق والوعي، والوضوح، والثبات والأصالة والمعقولية.

فبينما تجد المجتمعات الأخرى، يتلقى أفرادها تقاليدهم، وتصوراتهم المشتركة الاجتماعية، بتقليد أعمى وحماسة جماهيرية هوجاء؛ تجد التربية الإسلامية تشترط في أفرادها أولا القناعة الفكرية، ثم المشاركة الجماعية في العبادات والأعياد، على ضوء من تلك القناعة، ووضوح الهدف المشترك، والشعور بسمو هذا الهدف، إلى جانب توفر الحماسة الجماعية الهادفة، كما في التكبير المشترك في العيد الأضحى، وفي أثناء القتال والجهاد، ونحو ذلك، وصلاة الجماعة بحركات موحدة، وصلوات الأعياد، والجمع وخطبها، وحتى الصلوات الخمس يجب أن تكون في جماعة.

وهكذا نجد أن التصورات المشتركة الإسلامية، تكون الجانب الأكبر من ثقافة المسلم وتفكيره، والضابط الأول لسلوكه الاجتماعي، والوازع النفسي العميق، الذي لا يقتصر تأثيره على التواجد الجماعي، بل يتعداه إلى كل أحوال الناشئ الفردية والجماعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015