مقدمة

...

تقديم: الكتابإلى الطفولة الضائعة في هذا العصر

قد يتساءل القارئ لماذا اختار المؤلف هذا العنوان لتقديم كتابه، مع أن المشهور عن القرن العشرين أنه عصر النور والعلم، وأن العلوم الإنسانية ومن بينها التربية، قد نالت حظا وافرا من اهتمام العلماء، وفلاسفة التربية!!

بيد أن الضياع كثيرا ما ينشأ عن المبالغة في الحرص، وهذا ما حصل بالفعل، فلقد أدت مبالغة معظم فلاسفة التربية الحديثة ومؤسسيها، في العناية بالطفولة، إلى استطالتها، كمرحلة من مراحل تطور الإنسان، فمكث الناشئ وراء حدودها ردحا من الزمن لا يتجاوزها، وقد فقد الدوافع التي كانت تحفزه للتشوق إلى المستقبل، وتجعله يعتز بمعاني الرجولة والقوة، تلك المعاني الكامنة في نفس كل طفل، والتي أقام عليها العالم النفسي آدلر مدرسة نفسية، أو فرعا من فروع علم النفس سمي "علم النفس الفردي"، أرجع فيه كل النشاط النفسي إلى هذه النزعة: "نزعة القوة والتغلب على الصعوبات ... ".

ولكن يبدو أن "ظاهر الإباحة والتدليل" هي من أهم النتائج التي أسفرت عنها مبالغة "التربية الحديثة" في رعاية الطفولة، وقد برزت هذه الظاهرة في أمريكا بشكل واضح حيث وصفها الباحث النفسي الأمريكي "بنجامين سبوك"1، حين قال: "أعرف سيدة تدير محلا لبيع ملابس الأطفال، أخبرتني عن موقف يحدث مرارا وتكرارا في عملها، ثمة أم تحضر إلى المتجر تصحب طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات أو أربعا، فإذا أعجبها طراز السراويل الموجودة توجهت إلى ابنها بالسؤال: شارلي: أفلا تظن أنك تحتاج إلى سراويل جديدة؟

فإذا آثر الصبي أن يقول: "كلا"، فإنها تبدأ خطوة في العمل على إقناعه بأنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015