د- أنه ثبت في بعض الآيات، والأحاديث النبوية ضرورة أن يعمل كل إنسان بحسب قابلياته، واستعدادته الذاتية، كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 87/ 1-3] أي قدر لكل كائن استعدادا خاصا به، وهداه إلى سبيل الحياة التي تحقق ذاتيته، وقابلياته واستعدادته.
وقوله سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 9/ 105] .
فالمجتمع المؤمن يرى أعمال أفراده، ويشجع قابلياتهم ويقابلها بالشكر والتقدير، وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له".
أي أن الله خلق كا كائن، وكل إنسان لهدف أو لمهنة، وزوده بقدرات وكفاءة معينة، ثم يسر له من المجالات ما يناسب ذاتيته وكفاءته ومقدرته، ولذلك أمره بالعمل، والسعي لتحقيق مثله الأعلى حسب قدرته وذاتيته.
ومن الكلمات الطيبة الموزونة في هذا المجال قول المربي الكبير، ابن قيم الجوزية، في كتابه "تحفة المودود بأحكام المولود":
"ومما ينبغي أن يعتمد، حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، مما كان مأذونا منه شرعا، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيا، فهذه من علامات قبوله، وتهيئه للعلم، لينقشه في لوح قلبه ما دام خاليا، فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه، وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه، وهو مستعد للفروسية وأسبابها، من الركوب والرمي واللعب بالرمح، وأنه لا نفاذ له في العلم، ولم يخلق له، مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها، فإنه أنفع له وللمسلمين، وإن رآه بخلاف ذلك، وأنه لم يخلق لذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع، ومستعدا لها، قابلا لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه"1.