ثالثا: هدف التربية الإسلامية

ولما كانت التربية الإسلامية تربية واعية، هادفة، وقد وضع الله أسسها في هذه الشريعة لجميع البشر.

كان لزامًا على الباحث فيها أن يبين هدفها السامي الشامل الذي عينه الله لجميع البشر، قبل الشروع ببيان أساليبها وخصائصها؛ لأن الهدف هو الذي يعين الأساليب، ولو ألقينا نظرة على أسس التربية الإسلامية1، وتصور الإسلام للكون والحياة، ولأهداف الحياة لوجدنا فيها:

أن الله خلق الكون، لهدف معين، وأوجد الإنسان على الأرض ليكون خليفة يحقق طاعة الله، ويهتدي بهديه، وسخر له ما في السموات والأرض، فجعل ذلك كله خادما الإنسان محققا لها، وطلب منه أن يتأمل ما في الكون ليستدل به على عظمة الله، فيدفعه ذلك إلى طاعة الله ومحبته، والخضوع لأوامره ومناجاته، وجعله مستعدًا للخير والشر، وأرسل رسله إلى البشر ليهدوهم إلى عبادته وتوحيده.

وأن الله جعل لهذا الكون ولهذه الحياة الدنيا أجلا ينتهي في وقت محدود عند الله، ثم يفنى الكون وتفنى الحياة الدنيا، ثم يخلق الله الإنسان خلقًا جديدًا، ويخلق كونًا جديدًا، ليحاسب الناس على أعمالهم، وليجازي المسيء الذي كفر بنعمة الله ورسله، وشريعته بالجحيم الدائم، والمحسن الذي آمن بالله وشكره على نعمته، واتبع رسوله وكتابه بالنعيم المقيم الأبدي.

من هذه النظرة الإسلامية إلى الكون يتضح أن الهدف الأساسي لوجود الإنسان في الكون، هو عبادة الله والخضوع له، والخلافة في الأرض ليعمرها بتحقيق شريعة الله وطاعته، وقد صرح القرآن بهذا الهدف في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 51/ 56] .

وإذا كانت هذه مهمة الإنسان في الحياة، فإن تربيته يجب أن تكون لها نفس الهدف؛ لأن التربية الإسلامية كما عرفناها في أول الفصل الثالث هي:

"تنمية فكر الإنسان وتنظيم سلوكه، وعواطفه، على أساس الدين الإسلامي".

وبذلك "تكون الغاية النهائية للتربية الإسلامية هي تحقيق العبودية لله في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية".

الإسلام، وأهداف التربية الغربية:

بيد أن الاقتصار على هذه الغاية لن يقصر جهد الإنسان على النسك، والمسجد وتلاوة القرآن، كما يبدو للبعض، للوهلة الأولى؛ لأن طاعة الله وعبادته لا تقتصر على النسك والعبادات، بل تشمل الحياة بكل جوانبها، وقد بينا ذلك في الفصل الماضي عندما تعرضنا للعبادة في عداد أسس التربية الإسلامية.

وعلى هذا فجميع الأهداف التربوية التي تدعيها التربية الغربية اليوم، يشملها هذا الهدف الأسمى للتربية الإسلامية، ويسمو بها ويوجهها الوجهة المثالية التي تبعدها عن الانحراف أو الزلل، وتجعلها في خدمة الإنسانية، وتحقيق السعادة للفرد والمجتمع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015