*- وأن هذا الإنسان الذي يقضي عمره في كدح وجد، وخصومة ونزال مع المجتمع، وهو يتمتع بالعقل والتمييز بين الخير والشر، إذا به يموت ويفقد كل حركة أو حياة، ومن الناس ظالم ومحسن وصالح وطالح، فهل يستوي ذلك كله؟ وهل تكون كل أعمال الناس إلى فناء، من غير تمييز بين المحسن المسيء؟
إن العقل الصحيح والفطرة السليمة لا تستسيغان ذلك، ولا تستسيغان أن يكون هذا الكون المنظم البديع مصيره إلى الفناء بغير هدف، ولا غاية.
*- فالكون الذي يدل على خالق مبدع حكيم، يدل على وراء وجود غاية، من أجلها أوجده الله، وهذه النتيجة يتوصل إليها العقل السليم بفطرته.
*- وبالقياس المنطقي على خلق الله لهذا الكون وللإنسان، يستلزم العقل الصحيح الخالي من التحيز للهوى، أن الذي خلق الكون، أو مرة قادر على إعاته خلقًا جديدًا، وكذلك الذي خلق الإنسان.
هذه السلسلة من التفكير كل حلقة منها مرتبطة بسابقتها، هي التي بنى عليها القرآن أدلته على وجود الله، ثم على اليوم الآخر والبعث والنشور، والتربية الإسلامية تنمي عقل الإنسان دائمًا على هذا التفكير السليم، والارتباط المنطقي بين المقدمات والنتائج، كما تربيه على ألا يستسيغ العبث وانعدام الغاية، والخضوع للمصادفة، فكل ذلك ليس من الفطرة العقلية السليمة في شيء، والله لا يرضى لنا أن يكون علقنا معوجا سقيما، لذلك قال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 39/ 7] ؛ لأن الكفر بوجود الله وباليوم الآخر، معناه خضوع العقل للعبث والمصادفة، وعدم التعليل الصحيح.
6- الإيمان بالقدر خيره وشره:
وهذا الإيمان من لوازم الإيمان بالله؛ لأن الله هو الذي قدر كل ما سيقع في الكون، وفي المجتمع الإنساني، وبين البشر من حوادث، وقدر لكل ذرة في السماوات والأرض مبدأها ومصيرها، ونظامها، وأجلها، وعلاقاتها بغيرها وبسائر الكون، وكذلك لكل جرم صغير أو كبير.