بموضوع معين، حتى يصبح عند المرء استعداد لاستيقاظ هذه الانفعالات كلما أثير هذه الموضوع، وهل العاطفة إلا ذلك الاستعداد الوجداني الانفعالي؟ فإذا ربي مع العاطفة سلوك مثالي تتطلبه تلك العاطفة، فقد بلغت التربية ذروتها في توحيد النفس، واستنفاد طاقتها لخير الإنسانية، ولعل أوضح مثال على هذا الأسلوب التربوي القرآني يتضح في "سورة الرحمن"، حيث يذكرنا الله جل جلاله بنعمة ودلائل قدرته، بادئا من الإنسان، وقدرته على التعليم، إلى ما سخر الله له من الشمس، والقمر والنجم والشجر، والفاكهة والثمر، وما خلق من السماء والأرض، وعند كل آية أو عدة آيات استفهام يضع الإنسان أمام الحس، والوجدان وصوت القلب والضمير، فلا يستطيع أن ينكر ما يحس به، ويستجيب له عقله وقلبه، وقد تكرر ذلك هذا الاستفهام: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 55/ 13] وما بعدها، إحدى وثلاثين مرة في هذه السورة، وفي كل مرة يثير انفعالا بحسب الآية التي تسبقه.

هذه نبذة عن أسلوب القرآن التربوي، أو منهجه التربوي المتكامل، فهذا ما سنراه في طيات البحث عن منهج الإسلام التربوي، وأسلوب الإسلام في رعاية الطفولة في جميع العصور، ومعالجة أمورها.

وحسبنا هنا أن نبين أن القرآن قد بدأ نزوله بآيات تربوية، فيها إشارة إلى أن أهم أهدافه تربية الإنسان بأسلوب حضاري فكري، عن طريق الإطلاع والقراءة والتعليم، والملاحظة العلمية لخلق الإنسان منذ كان علقة في رحم الأم.

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 96/ 1-5] .

وأن الله تعالى أقسم أحد عشر قسما ليقرر أن النفس الإنسانية قابلة للتربية1، والتزكية والتسامي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015