وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في سلمة وحربه، في حله وترحاله، في داره وبين رجاله، كلها تشهد بما شهدت به السيدة عائشة، والمسلمون جميعا من أنه "كان خلقه القرآن"، فأدعيته مستقاة من القرآن تارة باللفظ، وتارة بالمعنى.
أما أصحابه رضوان الله عليهم، فقد أخذوا أنفسهم بتطبيق القرآن مع تعلمه حتى قال قائلهم: "كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نجاوز السورة من القرآن حتى نحفظها ونعمل بها، فتعلمنا العلم والعمل جميعا".
وكان القرآن وقع عظيم، وأثر تربوي بالغ في نفوس المسلمين، حتى شغلهم عن الشعر، وكانوا من أشد الناس تعلقا به، وعن الحكم والكهانة، وأخبار الفروسية، وأخبار العرب في جاهليتهم.
أسلوب القرآن التربوي:
والسر في ذلك أن للقرآن أسلوبًا رائعًا، ومزايا فريدة في تربية المرء على الإيمان بوحدانية الله وباليوم الآخر، نذكر منها بعض ما ورد في كتابنا "التربية وطرق التدريس ص96-97"1.
إنه يفرض الإقناع العقلي مقترنا بإثارة العواطب، والانفعالات الإنسانية، فهو بذلك يربي العقل والعاطفة جميعا، متمشا مع فطرة الإنسان في البساطة، وعدم التكلف، وطرق باب العقل مع القلب مباشرة.
يبدأ القرآن من المحسوس المشهو المسلم به: كالمطر، والرياح، والنبات، والرعد، والبرق، ثم ينتقل إلى استلزام وجود الله, وعظمته وقدرته، وسائر صفات الكمال، مع اتخاذ أسلوب الاستفهام أحيانا، إما للتقريع، وإما للتنبيه، وإما للتحبيب والتذكير بالجميل، أو نحو ذلك، مما يثير في النفس الانفعالات الربانية: كالخضوع، والشكر، ومحبة الله، الخشوع له، ثم تأتي العبادات والسلوك المثالي تطبيقا عمليا للأخلاق الربانية.
وهذه لعمري، أفضل طريقة اهتدى إليها علم النفس لتربية العاطفة، إنها تكرار إثارة الانفعالات، مع تجارب سلوكية مشحونة بهذه الانفعالات، مصحوبة