فترة ميلاد التأليف لدى العرب، وتدوين علومهم ومعارفهم، فهي تمثل طورًا أوليًا من أطوار الحركة العلمية، وفي مثل هذا الطور يكتب المؤلفون ما تمليه ثقافتهم، وما تتطلبه بيئتهم، غير خاضعين لقوالب بحثية، أو منهجية تلزمهم بالتخصص في علم أو فن، هذه هي طبيعة هذه الفترة، وهذا ما حدث إزاء تأليف هذا النمط الموسوعي، فرأيناه يعكس صورة العقلية العربية والبيئة العربية في تلك الفترة المبكرة، ثم تطورت الحياة بعد ذلك وتطور معها التأليف الموسوعي، وانتقل من الإطار الفردي إلى الإطار الجماعي كما نرى الآن، هناك مؤسسات وهيئات علمية وبحثية متخصصة، تسعى جاهدة لإخراج مثل هذه الموسوعات العلمية عربية وغير عربية.

ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا تذكر الموسوعات العلمية إلا ويذكر معها العصر المملوكي، ذلك العصر الذي أطلق عليه عصر الموسوعات العلمية، وهو حكم صحيح إلى حد كبير، والسبب في أن ذلك العصر أطلق عليه هو أن عصرًا تكتب فيه هذه المجموعة من الكتب، التي جمعت إلى ضخامة الحجم نفاسة المحتوى، وإلى وفرة العدد أصول علومنا الحضارية؛ لا ينبغي لأحد أن يبخل عليه بهذه التسمية، فهو بحق عصر الموسوعات العلمية.

ورغم ما كانت تعانيه الدولة الإسلامية آنذاك من تمزق وضعف؛ نتيجة الغزو التتري الغاشم، وضياع جزء كبير من تراثها العريق، رغم ذلك كله ازدهر فيها التأليف الموسوعي ازدهارًا عظيمًا، وظهرت أشهر الموسوعات العلمية في تلك الفترة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: (لسان العرب) لابن منظور، و (نهاية الأرب في فنون الأدب) لشهاب الدين النويري، و (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) لابن فضل الله العمري، و (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) للقلقشندي، و (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) لابن حجر، وغير ذلك من موسوعات كثيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015