من هذه العوامل التي أدت إلى انتشار هذا النوع من التأليف لدى العرب في تلك المرحلة المبكرة من حياتهم: المفهوم السائد لكلمة أدب آنذاك، فكلمة أدب آنذاك كانت تعني الثقافة العامة، أو الأخذ من كل فن بطرف، وشاع استخدامها في تلك الفترة للدلالة على هذا المعنى، وقد أثرت تلك الدلالة تأثيرًا كبيرًا على هؤلاء العلماء، ووجهتهم تلك الوجهة الموسوعية في تأليفهم.
ومن هذه العوامل أيضًا: تطور البيئة الثقافية والفكرية لدى العرب، ففي العصر الأول قبل الإسلام عاشت الأمة العربية في إطار فكر ضيق، لا يتجاوز حدود بيئتهم العربية بأقاليمها وأهلها، هذه الحقيقة معروفة، كان العرب يتحركون في إطار ضيق، رغم الرحلات التي كانت لهم خارج الجزيرة، لكن الاختلاط لم يصل إلى حد التأثير والتأثر من ناحية الفكر والثقافة.
هذه الرحلات لم تتح لهم التعرف على حضارات الأمم الأخرى والتعمق فيها، فلما جاء الإسلام وتمت الفتوحات الإسلامية اتسعت الدولة الإسلامية، واختلط العرب بغيرهم من الأمم الأخرى، وامتزجت الثقافة العربية بالثقافات الأجنبية، بالإضافة إلى اشتغال عدد غير قليل من المسلمين غير العرب بالتأليف، فالتقت الحضارات والثقافات والأفكار واللغات، وفي ظل هذه البيئة الجديدة التي أحدثها الإسلام وُجدت طائفة من العلماء ذوي ثقافة علمية واسعة متنوعة، ونضج فكري يسمح لصاحبه باستيعاب الحضارات الأجنبية، وبلورتها في حضارة عربية إسلامية جديدة، محاطة بسياج من العقيدة الإسلامية واللغة، نطالع ذلك كله في تلك الموسوعات العلمية التي حملت ذلك الفكر، وعبرت عن هذه الوجهة.
وفي سياق الإشارة إلى أسباب ظهور تلك الموسوعات في تلك الفترة المبكرة من حياة العرب أيضًا؛ ينبغي ألا ننسى طبيعة تلك الفترة التي ظهرت فيها، وهي