بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس
(مناهج التأليف عند العرب (4))
الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فأشرنا إلى اتجاهات التأليف عند العرب، وعرضنا نماذج لكل اتجاه منها، وعرفنا من خلال ذلك العرض منهج العلماء في تلك المصادر، والموسوعات العلمية تمثل اتجاهًا من تلك الاتجاهات، وفي البداية نتعرف على الموسوعات العلمية: ما المقصود بها؟ ومتى ظهرت؟ وما العوامل التي ساعدت على ظهورها؟
الموسوعات العلمية عبارة عن كتب لا تختص بعلم معين أو فن محدد، وإنما تجمع بين عدة علوم وفنون مختلفة؛ أدبية وسياسية ولغوية، وفلكية، وجغرافية وغيرها، فمؤلف الموسوعة يسجل فيها كل ما يتوارد على خاطره، وتفيض به ثقافته حال تأليفها، وتغلب على هذا النوع من التأليف سمة الاستطراد والتفريع، وقد ظهرت الموسوعات العلمية في وقت مبكر من حياة العرب، بعدما طرقوا باب التأليف، ويعد كتاب (الحيوان) للجاحظ، وكتاب (عيون الأخبار) لابن قتيبة من بواكير التأليف الموسوعي لدى العرب.
فإذا تأملنا في هذين الكتابين نلحظ أنهما موسوعتان أدبيتان لغويتان تاريخيتان سياسيتان متكاملتان، كما يعد كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني -الذي عاش في النصف الأول من القرن الرابع الهجري- من أكبر وأغنى الموسوعات الأدبية والتاريخية والاجتماعية والموسيقية، كما يمثل كتاب (الأنساب) للسمعاني وكتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي مرحلة تالية من مراحل التأليف الموسوعي عند العرب، ولا شك في أن ظهور تلك الموسوعات في هذه المرحلة المبكرة يرجع إلى عدة عوامل، ساعدت على ميلادها وانتشارها، ونجاح مؤلفيها في تأليفها.