الصفة الثانية: الاستطراد والانتقال من موضوع إلى آخر، فنرى المؤلف ينتقل من قصة إلى حديث، ومن مقطوعة شعرية إلى حكمة أو خطبة، ومن نادرة لغوية إلى فكاهة شعبية، وكان ذلك متعمدًا منهم في بعض الأحيان؛ بقصد التشويق والإثارة، وإزالة السأم والملل عن المتلقي، ومع ذلك فقد أدت هذه المؤلفات الأدبية -بفضل اتساعها وتعدد موضوعاتها- خدمة جليلة للأدب وطلابه، وأصبحت من أهم مصادر الدراسات الأدبية والنقدية.
ومن المؤلفات التي سلك فيها أصحابها هذا الاتجاه -اتجاه الدراسات الأدبية والنقدية- كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ، وكتاب (مجالس ثعلب) لأحمد بن يحيى ثعلب، وكتاب (الكامل في اللغة والأدب) للمبرد، وكتاب (نقد الشعر) لقدامة بن جعفر، وكتاب (الأمالي) لأبي علي القالي، كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) للقاضي الجرجاني، كتاب (الموازنة بين الطائيين) للآمدي، كتاب (الموشح) للمرزباني، (العمدة) لابن رشيق، ومؤلفات كثيرة وهي موجودة بين أيدينا لمن أراد أن يطلع عليها ويستزيد منها.
ولنأخذ مثلا كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ: كتاب (البيان والتبيين) من أشهر الكتب في مجال البلاغة والأدب والنقد، ألفه الجاحظ عمرو بن بحر بن محبوب، كنيته أبو عثمان، واشتهر بالجاحظ لجحوظ عينيه، ولد بالبصرة سنة مائة وخمس وخمسين وقال: سنة مائة وخمسين للهجرة، والبصرة آنذاك في هذا التاريخ -يعني في القرن الثاني الهجري- كانت في عنفوان شبابها العلمي والأدبي.
كان الجاحظ حريصا على العلم منذ صغره، فلما شب كان يغشى المساجد ومجالس العلماء، يسمع منهم ويجادلهم، كما كان يتردد على سوق المربد