الاتجاه الثالث اعتمد على هذين الاتجاهين السابقين، اعتمد على الذين جمعوا هذه الاختيارات، اعتمد على الذين ذكروا نماذج لأصحاب الطبقات، أو الذين ترجموا كابن قتيبة مثلا في كتابه (الشعر والشعراء)، ولم يأت هذا النمط من الدراسة على صورة واحدة، فأحيانًا يأتي في صورة نظرة عامة في التراث الأدبي، لم يتقيد بعصر أو بأديب أو بيئة، وأحيانًا أخرى يرد في صورة موازنة بين شاعرين أو أكثر من شاعر، وقد يتناول المؤلف شخصية أدبية واحدة، ويجري حولها دراسة متكاملة يكشف عن منزلتها، وقد يتناول موضوعًا أو قضية محددة ويحيط بها من شتى جوانبها.

وهناك طريقتان من خلال تتبعنا للمصادر الأدبية التي تمثل هذا الاتجاه: إما أن يكتب المؤلف دراسته بنفسه، وإما أن يلقيها في مجلس، أو يمليها على تلاميذه، ثم تجمع بعد ذلك في حياته أو من بعد حياته، وقد تجمع في حياته وتعرض عليه لإقرارها، أو يقوم أحد الأتباع بمراجعتها وروايتها عنه، ويطلق على هذا النوع الأخير من هذه الدراسات الأمالي أو المجالس، وهي كثيرة جدًا في تراثنا، وتختلف الأمالي أو المجالس عن النوع الأول الذي يقوم المؤلف نفسه بتدوينه، فالنوع الأول يكون أكثر شمولا واتساعًا، فهي لا تقتصر على فن واحد أو اتجاه محدد، وقد جمعت تلك المؤلفات بنوعيها بين الشعر والنثر، واتجه أصحابها نحو الدراسات النقدية حتى اكتسبت تلك المصنفات سمة النقد.

وأبرز ملامح تلك المؤلفات الأدبية وأهم ما يميزها عن غيرها صفتان واضحتان؛ الصفة الأولى: التوسع والشمول في الموضوعات التي تعرضها، فهي لا تقتصر على فن واحد أو موضوع واحد، وإنما تتناول العديد من الفنون والموضوعات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015