سار على منهج ابن قتيبة لجاء كتابه أضخم بكثير من كتاب ابن قتيبة، لكن فكرة الطبقات وضع كل شاعر في مكانته الفنية هذا مجال ضيق إلى أبعد حد، ومن ثم لم يأت بشعراء كُثر، ومما يحمد لابن قتيبة أيضًا أنه اهتم بالتنبيه إلى اشتراك الشعراء في المعاني والصور والأفكار، وله إشارات كثيرة في هذا الجانب ربما غفل عنها ابن سلام، وكانت تلك الإشارات هي النواة الأولى للحديث عن قضية كبيرة كانت لها منزلة، وهي قضية السرقات الشعرية، التي عالجها كثير من النقاد بعد ذلك.
هذا بالنسبة لكتاب (الشعر والشعراء) وهو المصدر الثاني الذي يمثل الاتجاه الثاني من اتجاه أصحاب الطبقات والتراجم.
نعود إلى الاتجاه الثالث وهو: اتجاه الدراسة الأدبية والنقدية:
وأعني به النظر في التراث الأدبي شعره ونثره، ودراسته دراسة فنية لغوية، يتناول فيها المؤلف وسائل الأداء، يقف على مواطن الجودة والرداءة فيه، يتعرف من خلاله على شخصية الأديب، وما أحاط به من مؤثرات مختلفة، مِن خلال تلك الوسائل الفنية التي يتعامل معها.
تمثل تلك الدراسات الأدبية والنقدية مرحلة تالية لمرحلتي الجمع والطبقات، فمثلا المفضل الضبي جمع مجموعة من الأشعار، (الاختيارات) وضعها في كتاب لم يدرسها بأي نوع من أنواع الدراسة، مثلا كتاب (طبقات فحول الشعراء) لابن سلام، اهتم الرجل بالترجمة للشاعر، وذكر نماذج من شعره ووضعه في منزلته، لكنه لم يحلل، ولم يعلل، ولم يشرح.