العدل هذه مقياسها فني بحت لا شك في ذلك، كما أن له حديثا عن المعاني والتشبيهات والألفاظ، وغيرها من العناصر الفنية أثناء ترجمته للشعراء، كل هذا من قبيل المنهج الفني.

مما تقدم يتضح لنا أنه قد سلك منهجًا تاريخيًا، ويتضح لنا أيضًا أنه سلك منهجًا نفسيا، وأنه سلك أيضًا منهجًا فنيا، اجتماع هذه المناهج يطلق عليه المنهج المتكامل، وهو أصح المناهج في البحث الأدبي أو البحث العلمي عمومًا.

أما عن القيمة الأدبية لكتاب (الشعر والشعراء) فإنه في الحقيقة يعد من أقدم المصادر الأدبية وأهمها، بعد كتاب (طبقات فحول الشعراء) لابن سلام، ولا يمكن أن يستغني عنه باحث أو دارس للأدب، فهو يترجم لمجموعة كبيرة من الشعراء الجاهليين والإسلاميين حتى عصر ابن قتيبة، ويورد كثيرًا من أخبارهم ومواقفهم، التي يمكن الكشف من خلالها عن شخصية هؤلاء الشعراء، وتفسير اتجاههم الفني، وهو في ذلك كله يلتزم الدقة والأمانة في نقل الأخبار عن المتقدمين والمعاصرين.

وتبدو قيمة الكتاب أيضًا في أنه يكشف لنا عن شخصية ابن قتيبة، وفكره الأدبي ومقدرته النقدية، إذ لم يكن مجرد ناقل عن غيره أو سارد لمجموعة من الأخبار، وإنما عرض علينا فكره، وكشف لنا عن ذوقه من خلال تلك المقدمة المهمة، ومن خلال الآراء المتفرقة في الكتاب الدالة على ذلك، هذه حقيقة لابد أن نقررها، فالرجل كان مشهورا بالتفسير، كان محدثا وكان فقيها، ويدل على قيمة الكتاب أيضًا ويعلي من شأنه وشأن صاحبه: وضوح المنهج العلمي لديه، وهو منهج يتناسب مع طبيعة عصره الفكرية والثقافية، ويبدو ذلك في الإشارة إلى المنهج الذي سلكه منذ البداية، هذه طريقة لا يعرفها إلا الذين درسوا علم المناهج في العصر الحديث، يعلمون أنه لابد لكل باحث أو مؤلف من الإشارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015