في مقدمة المؤلَّف لابد أن يشير إلى المنهج الذي سلكه في تأليفه ليعرف الناس، ولابد أن يلتزم بهذا المنهج.
أما الطريق الثاني الذي يمكننا أن نتعرف على المنهج من خلاله: فيتمثل في تتبع القضايا المطروحة في الكتاب، أو في المؤلَّف، والتعرف على طرق المعالجة كيف عالجها، ونوعية المقاييس المستخدمة.
وقد نضطر إلى سلوك الطريقين معًا للكشف عن المنهج، قد يأتي مؤلف ويذكر في بداية المؤلف أنه التزم بمنهج ما، ولكن من خلال تتبع لعرض القضايا والمعالجة والمقاييس -التي اعتمد عليها- نكتشف أنه لم يلتزم بهذا المنهج، فينبغي ألا نسلم بهذا الاعتراف الذي يذكره المؤلف في بداية المؤلَّف. فإذا أردنا أن نتعرف على المنهج الذي سلكه ابن قتيبة في كتابه (الشعر والشعراء) نجد أن ابن قتيبة نفسه يشير إلى هذا المنهج، فيقول: "هذا كتاب ألفته في الشعراء أخبرت فيه عن الشعراء وأزمانهم وأقدارهم، وأحوالهم في أشعارهم، وقبائلهم وأسماء آبائهم، ومن كان يعرف باللقب أو بالكنية منهم، وعما يستحسن من أخبار الرجل ويستجاد من شعره، وما أخذته العلماء عليهم من الغلط والخطأ في ألفاظهم، أو معانيهم، وما سبق إليه المتقدمون فأخذه عنهم المتأخرون، وأخبرت فيه عن أقسام الشعر وطبقاته، وعن الوجوه التي يختار الشعر عليها ويستحسن لها".
هذا كلام ابن قتيبة في المقدمة ينفي عن نفسه التبعية والتقليد، ويؤكد تفرده بهذا المنهج، وأن له مقاييسه التي يختلف فيها عن غيره، فيقول في المقدمة أيضًا: "ولم أسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارًا له سبيل من قلد، أو استحسن باستحسان غيره، ولا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه، ولا إلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين، وأعطيت كلا حظه ووفرت عليه حقه".