كما أن فكرة الكتاب في حد ذاتها تقوم على مقياس فني دقيق، إذ إنه من غير اللائق أو المقبول أن يكون ابن سلام لا يعرف من الشعراء سوى هؤلاء الفحول الأربعة عشر بعد المائة، الذين جمعهم في كتابه، ولكنه نظر في شعر كثير لعدد كبير من الشعراء، ونخل ذلك الشعر وفحصه، واختار هؤلاء الفحول من خلال عدة مقاييس فنية اعتمد عليها، وكانت واضحة لديه ساعة تأليف هذا الكتاب.

كما أن ترتيب الشعراء الأربعة داخل كل طبقة من الطبقات، كيف يرتب هؤلاء الشعراء؟ على أساس فني بحت، فالكتاب كما رأيت يجمع بين المنهجين التاريخي؛ من خلال التراجم والأخبار، وإيراد الأشعار، وذكر المناسبة والبيئة، والمنهج الفني ببنائه ومنهجه في المفاضلة، والآراء التي عرضها في المقدمة، ثم تعليقه على النماذج، وغير ذلك مما ورد في الكتاب.

أما القيمة الأدبية لهذا الكتاب فإنه يمثل باكورة النتاج العلمي، المؤلف على أسس منهجية واضحة، هذه الأسس تدل على فكر صاحبه، وتكشف عن حسه النقدي والفني، وهو مصدر مهم من مصادر الأدب والنقد، لا يستغني عنه باحث في الأدب القديم، ليس لأنه يسرد لنا بعض الأخبار المجموعة عن الشعراء، وينزلهم منازلهم اللائقة بهم، ويوضح وجهتهم الفنية فحسب، وإنما لأسباب أخرى كثيرة، هذه الأسباب هي التي تجسد القيمة الحقيقية لهذا الكتاب، يمكن أن نشير إلى هذه الأسباب سريعًا:

يرسي كتاب ابن سلام مبدءًا مهمًا ينبغي ألا يغفله الدارسون، وهذا مما يؤكد أهمية هذا الكتاب، هو توثيق النص الأدبي موضوع الدراسة، هذه قضية من أخطر القضايا التي يواجهها الباحثون، توثيق النص الأدبي قبل التعرض له، وقد ألح عليها ابن سلام إلحاحًا مستميتًا، فكان لا يقبل نصًا أو خبرًا إلا عن طريق الرواية الصحيحة، يقول: "ثم اقتصرنا بعد الفحص والنظر والرواية عمن مضى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015