القصائد جوانب الحياة الجاهلية، ودارت مع الأحداث والأيام، وعلاقات القبائل بعضها ببعض، وبمن جاورهم من ملوك الغساسنة والمناذرة، وجاءت صورة صادقة لبيئتهم ولغتهم، ومن ثم فهي تعد مصدرًا مهمًا من مصادر الأدب العربي.

النموذج الثاني هو (جمهرة أشعار العرب)، وجامع (الجمهرة) هو أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، وقد أحاط الغموض بحياة ذلك الرجل، فلم تذكر المراجع ترجمة وافية له، واختلفت فيه الأقوال اختلافًا بينًا؛ بعض المؤرخين يجعله من أدباء القرن الثاني الهجري مثل: سليمان البستاني وبطرس البستاني، والبعض يجعله من أدباء القرن الثالث الهجري ومنهم: جورجي زيدان في كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية)، ولكن المطلع على مقدمة (جمهرة أشعار العرب) يرى أن القرشي يروي عن الأصمعي.

فقد ورد نص في هذه المقدمة يقول: "وعن المقنع عن أبيه عن الأصمعي، الذي يروي هو أبو زيد القرشي، صاحب الجمهرة قال: دخلت البادية من ديار فَهْم فقال لي رجل منهم: ما أدخل القروي باديتنا؟ فقلت: طلب العلم. قال: عليك بالعلم فإنه أُنس في السفر، وزين في الحضر، وزيادة في المروءة، وشرف في النسب".

إذا علمنا أن الأصمعي توفي سنة مائتين وستة عشر، وأبو زيد القرشي لم يرو عنه مباشرة، روى عن جيلين بعده هما المقنع وأبوه، فإذا افترضنا أن بين كل جيل وسابقه خمسة وعشرين عامًا؛ يكون أبو زيد قد عاش سنة مائتين وخمسين من الهجرة، أي في منتصف القرن الثالث الهجري، وقد ذهب إلى هذا الرأي الدكتور مصطفى الشكعة في كتابه (مناهج التأليف عند علماء العرب) وهو أقرب إلى الصواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015